لإن كان المطلب المنادي بالتأميم في مجال النفط والغاز في الظروف الحالية أمر صعب المنال وغير منطقي وذلك لعديد الإعتبارات إلا أنه بالامكان تحقيق المعادلة بين استقلالية القطاع والحفاظ على حقوق الدولة من خلال اتخاذ مجموعة من الاجراءات والقرارات على غرار تكوين الكفاءات التونسية وهي مهمة من مهام المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية التي انشئت منذ بداية السبعينيات وتحرك الدولة لإسترجاع امتيازات انتاج انتهت مدة استغلالها من طرف المشغل الأجنبي، أو تطوير امتيازات بحث وإستكشاف بمفردها دون التعويل عن المشغلين الأجانب وشراء أسهم أو حصص شركات أجنبية في امتيازات البحث والإستكشاف، أو حقول الإنتاج، أو المنشآت البترولية وإستغلالها،… لكن في المقابل يجب ان تحدد الدولة ماذا تريد أن تشتري ؟ وبأي سعر ؟ وما هي وضعية امتيازات البحث والإستكشاف أو حقول الإنتاج التي تعتزم الدولة التونسية شرائها ؟
هذه الاسئلة تستوجب التعمق فيها وتحيلنا لمحاولة كشف خفايا صفقة شراء الدولة التونسية لأسهم الشركة السويدية PA RESOURCES التي روج لها في شهر ماي 2016 وكأنها صفقة العمر كما يتبيّن ذلك في المقال الصحفي والذي اقتبس مه ما يلي "وتضم عملية الإقتناء المشار إليها كلا من رخصة البحث عن المحروقات "زارات" وإمتيازات الإستغلال "ديدون" "سمامة" "دولاب" و " طمسميدة" وتولى السيد محمد العكروت الرئيس المدير العام للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والسيد مارك أليستار المدير التنفيذي عن شركة ب. أ. رسورزس الإمضاء على عقد تحويل الحقوق المذكورة آنفاً. وتعتبر عملية إقتناء حقوق شركة أجنبية في تونس من طرف المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية العملية الأولى في بلادنا وهي ذات مردودية إقتصادية هامة. ويمكن القول أن هذا الإقتناء لحقوق الشركة المذكورة يمثل توجهاً إستراتيجياً كبيراً لبلدنا من حيث أنه سيساهم في إيجاد إحتياطات إضافية من المحروقات في المستقبل. كما ستعمل هذه العملية على تحويل دور المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في القطاع وخاصةً عند تطوير الحقول الغازية الموجودة بخليج قابس. وبفضل هذه العملية ولأول مرة في تاريخنا ستتولى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية القيام بدور المشغل على الحقول البترولية في بلادنا وبالتالي ارتقائها إلى صف المؤسسات البترولية الهامة والناشطة في قطاع المحروقات".
وبقطع النظر على الطابع الترويجي لهذا المنشور وعدم المام محرره بالمعطيات التقنية وتفاصيل الإمتيازات المذكورة، فإن حقائق وخبايا وتفاصيل هذه العملية لم يتم الكشف عنها. لذا توجب القيام بالأبحاث المفصلة والدقيقة حتى يتسنى التقييم العلمي والموضوعي للصفقة:
- أولاً وكما سبق التطرق إلى موضوع ب. أ. رسورزس منذ سنة 2013 فإن آخر الإمتيازات المذكورة تم اكتشافها منذ التسعينيات كما يجب التذكير أن الشركة المعنية تلاعبت منذ 2007 بالدولة التونسية بخصوص تطوير إمتياز زارات للاستكشاف والذي يحتوي على ما يقارب 80 مليون برميل من النفط و600 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي وذلك لأن مجلس ادارتها قرر عدم الإستثمار في الإنتاج نظراً للأزمة الإقتصادية العالمية الخانقة وكذلك تذبذب أسعار النفط في السوق العالمية. علاوةً على ذلك اكتشفت ب. أ. رسورزس أن حقلاً نفطياً آخر في دولةٍ إفريقية يستوجب 200 مليون دولار إضافية لتطويره ولجأت بالتالي إلى التفريط في 70% من حصتها في امتيازي ديدون وزارات إلى شركة EnQuest البريطانية بداية سنة 2013.
- ثانياً منذ سنة 2010 والشركة السويدية تبحث عن شريك أو مشتري لحصصها في الإمتيازات وذالك لصعوباتها المالية وليس بتعلة الإضطرابات الاجتماعية اثر الثورة كما يود البعض الترويج لذلك. ثم هل تتذكرون زيارة السيد الرئيس محمد الباجي قائد السبسي في نوفمبر 2015 إلى السويد ؟ إثناء تلك الزيارة اصطحبته السيدة "وزيرة النفط" السيدة وداد بوشماوي وعلقت حينها وقد أكون مخطئاً أن هدف الزيارة هو أسهم الشركة السويدية ب. أ. رسورزس في الإمتيازات والحقول النفطية التونسية. عندما تعلم لاحقاً من مصادر موثوقة أن المستشار القانوني لشركة ب. أ. رسورزس في تونس هو شقيق رئيس الجمهورية وهو السيد صلاح الدين قائد السبسي تترسخ لديك فكرة الإتفاق على الصفقة أثناء تلك الزيارة.
- ثالثا وكما سبق وأوردت الشركة السويدية ب. أ. رسورزس بأنها قررت التفريط في 70% من حصتها في امتيازي ديدون وزارات إلى شركة EnQuest البريطانية وكان ذلك في ماي 2013. وفي جويلية 2014 إتفقتا الشركتان على جميع تفاصيل البيع بسعر يناهز 23 مليون دولار المشروط بعدم إعتراض الدولة التونسية، وقد طلبت شركة ب. أ. رسورزس من الأخيرة رسالة عدم الإعتراض في أجل أقصاه 31 جانفي 2015 وتدعي أنه رغم التعبير الشفوي للدولة التونسية عن عدم اعتراضها إلا أنها لم تحصل بتاتاً على موافقةٍ كتابيةٍ في هذا الشأن. وبذالك لم يتسنى دخول العقد بين ب. أ. رسورزس و EnQuest حيز التنفيذ وبالتالي تم إلغاؤه في اواخر فيفري 2015 لتتملك ب. أ. رسورزس مجدداً بنسبة 100% على تلك الإمتيازات (وثيقة 1) .
وبعد الاطلاع على التفاصيل الخاصة بشركة ب. أ. رسورزس وأسهمها وسياستها المتوخاة منذ سنوات يمكننا ان نتطرق إلى الإمتيازات المزمع اقتناؤها من طرف الدولة التونسية والتي تضم كلا من رخصة البحث عن المحروقات "زارات" وإمتيازات الإستغلال "ديدون" "سمامة" "دولاب" و " طمسميدة" حتى يتسنى التأكد من المردودية الإقتصادية الهامة المفترضة.
وحسب ما ورد في الموقع الرسمي للشركة السويدية ب. أ. رسورزس وكذلك موقع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية فقد تبين أن الشركة المعنية تتحوز على الإمتيازات الآتي ذكرها:
- حقل الإنتاج الدولاب بنسبة 70% مع شريكها سربت (30%)
- حقل الإنتاج سمامة بنسبة 70% مع شريكها سربت (30%)
- حقل الإنتاج طمسميدة بنسبة 95% مع شريكها سربت (5%)
- حقل الإنتاج ديدون بنسبة 100% بعد استرجاع حصة ال-70% التي كان من المزمع بيعها إلى EnQuest كما سلف وأوردت
وكذلك
- إمتياز البحث والإستكشاف والذي قد يكون يحتوي على ما يقارب 80 مليون برميل من النفط و600 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي .
كما نذكر من جانب آخر امتيازات الإستكشاف التالية:
- مكثر على إمتداد 3828 كم² بنسبة 100% والذي أسند بتاريخ 18/02/1985 وتم تجديده ثلاثة مرات إلى حدود 10/07/2016 علماً وأن المعلومة المنشورة على موقع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والذي يفيد أنها تملك 55% من هذا الإمتياز خاطئة، فهي تتمتع فقط بحق إقتناء نسبة 55% في هذا الإمتياز.
-جلمة على إمتداد 5772 كم² بنسبة 70% مع الشريك توبيك (30%) والذي اسند بتاريخ 27/11/2003 وتم تجديده مرةً واحدةٍ إلى حدود 26/09/2016. وهنا أيضاً يجب تصحيح معلومة موقع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والذي يفيد أنها تملك 50% منه.
- جنين وسط على إمتداد 312 كم² بنسبة 35% مع الشريك شينوك (65%) والذي اسند بتاريخ 30/04/2010 إلى حدود 15/10/2017 (وثيقة 2) .
وفي هذا الاطار يجب ان نسوق ملاحظتين مهمتمين:
- أولاً الشركة السويدية ب. أ. رسورزس ممثلة في عديد هذه الإمتيازات بشركة (HTC Hydrocarbure Tunisie Corporation) والتي ترجع لها بنسبة 100%
- ثانياً وهذا هو الأهم وما يدعو فعلاً إلى الاستغراب، المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية كانت تملك نسبة 55% في إمتياز "زارات" الذي يحتوي على الحقول "ديدون" و "عليسة" سنة 2004. فلماذا تخلت على مشاركتها في هذا الإمتياز في تلك الفترة حين كان إنتاج حقل ديدون بمفرده يفوق 20 ألف برميل يومياً، لتعود الآن وتفكر في اقتنائه وهو ينتج أقل من 600 برميل يومياً ويستوجب إستثمار إضافي مهم لتطوير إنتاجه ؟
طبعاً لكل صفقةٍ سعرها وطبعاً تقاس المردودية الإقتصادية بسعر البيع. لكن للأسف الجانب التونسي لم يفسح على سعر الشراء المتداول، وكذلك هو الحال بالنسبة للشركة السويدية ب. أ. رسورزس التي صرحت فقط بأن سعر البيع سري. لكن لا يجب أن نتناسى أن الشركة السويدية حاولت سنة 2013 بيع 70% من حصتها في امتيازي ديدون وزارات إلى شركة EnQuest البريطانية بمبلغ يناهز ال-23 مليون دولار. ثم وهو الأهم وفي حالة مغادرة الشركة المذكورة لإمتيازاتها في تونس فتوجب عليها دفع غرامة إلى الدولة التونسية يسمى بغرامة الهجر، وتم تداول مبلغ يناهز ال-50 مليون دولار.
إذا السؤال المطروح: هل من الأجدى إقتصادياً للدولة التونسية تجريم الشركة السويدية بذالك المبلغ أو "انقاضها" وشراء كل إمتيازاتها بسعر ما والتخلي عن مطالب تغريمها ؟
هذه المعطيات والارقام تحيلنا للتساؤل حول مدى مردودية هذه الصفقة التي تعتزم ابرمتها الدولة التونسية وتروج لها على انها صفقة استثنائية في حين أن كل التفاصيل تدل على عكس ذلك؟
وحتى يتسنى دراسة الموضوع بأكثر دقة يجب التطرق إلى كميات النفط اليومية المنتجة في الحقول المزمع اقتناؤها ألا وهي "ديدون" "سمامة" "دولاب" و " طمسميدة" . في هذا السياق تفيد الشركة السويدية أن مجمل انتاجها من شمال إفريقيا (وفي هذه الحالة تونس فقط لأنها لا تشتغل في بقية دول شمال إفريقيا ) كان سنة 2013 و2014 في حدود ال- 650/700 برميل يومياً. لكنه إرتفع أثناء الرباعي الأول من سنة 2015 ليصل إلى 1.200 برميل يومياً، وهذا مفهوم بما أنها اعادت شراء 70% من حصتها في امتياز ديدون التي باعتها سلفاً ل EnQuest. الغريب في الأمر أن حسب موقع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية فإن أرقام الإنتاج مجهولة، وهذا في الحقيقة هو الحال لكل الثمانية عشرة امتيازات الإنتاج المسندة بنسبة 100% إلى مشغلين اجانب. (وثيقة 3)
هذه المقاربة تؤكد أن حقل ديدون هو من أهم حقول الإنتاج فبمجرد إعادة شراء حصة ال-70% منه إرتفع إنتاج الشركة السودية في تونس من 700 إلى 1.200 برميل يومياً ما تفيد ضمنياً أن حقل ديدون كان ينتج في بداية 2015 قرابة ال-700 برميل يومياً. للتذكير هذا الحقل كان ينتج في بداياته ما يناهز ال- 20.000 برميل يومياً. وبالرجوع إلى بيان الشركة السويدية بتاريخ 02 فيفري 2015 نكتشف أن حقل ديدون ليس مجدي إقتصادياً وذلك لاعتبارين أولهما الإنخفاض الكبير لكميات إنتاجه وثانياً لإنخفاض أسعار النفط. كما تفيد الشركة المعنية أنه يستوجب القيام بعمليات تقنية مكلفة لتحسين إنتاجية حقل ديدون.
بعد التطرق إلى الوضع الحالي لحقول الإنتاج وبعد التأكد من مشاكل إنتاج أهمها وهو حقل ديدون وبعد الإعتراف الضمني لشركة ب. أ. رسورزس أن هذا الأخير ليس مجدياً إقتصادياً، لا أرى كيف لصفقةٍ كهذه أن تكون ذات مردودية إقتصادية هامة للدولة التونسية، إلا إذا كان الهدف من هذه الصفقة هو التحوز على إمتياز "زارات" للاستكشاف والذي يحتوي على ما يقارب 80 مليون برميل من النفط و600 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
لنتطرق إذا إلى إمتياز "زارات"، هذا الإمتياز الذي يمكنه أن ينتج كميات محترمة من النفط والغاز إذا تم تطويره، مع العلم أن الشركة السويدية تماطل منذ 2007 بخصوص برنامج التطوير.
مهما كانت نتائج الدراسات والكميات المرتقبة التي يمكنها أن تنتج من هذا الإمتياز ومهما كانت كلفة تطوير هذا الإمتياز، فلا يمكن في الوقت الراهن الحديث عن المردودية الإقتصادية لعدة اعتبارات ومنها أسعار النفط، وكلفة المشروع ومبلغ إقتناء هذا الإمتياز،
لكن والأهم حقاً هو الآتي :
جزء مهم (حسب المعلومات المتوفرة لدي 130 كم ² من مجموع 724 كم ²) من إمتياز "زارات" يقع في إمتياز "Joint blok" الذي يمتد على مساحة 3055 كم² في المياه الإقليمية التونسية الليبية (وثيقة 4) وأسند هذا الإمتياز سنة 1989 إلى حدود 2039 ويخضع إستخراج النفط به إلى معاهدة خاصة بين العقدين بن علي والقذافي وليس للقانون التونسي.
إذاً إذا ارادت الدولة التونسية تطوير إمتياز "زارات" توجب عليها إحترام المعاهدة الثنائية بين ليبيا وتونس وبالتالي طلب موافقة الجانب الليبي على تطوير الإمتياز. وكما لا يخفى على أحد فالوضع في ليبيا الشقيقة غير قار ولا أدري ممن ستطلب الدولة التونسية الموافقة على تطوير هذا الإمتياز في حين أنها عاجزةٌ على إسترجاع صحفيين تونسيين مخطوفين في ليبيا منذ ما يقارب السنتين.
أخذاً بعين الإعتبار ما سبق وأوردت في هذا المقال من معطيات ومنها:
- حقول الإنتاج المزمع اقتناؤها من الشركة السويدية ب. أ. رسورزس "ديدون" "سمامة" "دولاب" و " طمسميدة" في نهاية حياتها وتعتبر في مجال النفط والغاز مجرد "تمصميصة" ولا يمكن أن تكون ذات مردودية إقتصادية
-إمتياز "زارات" للإستكشاف رغم احتوائه على كمية محترمة من النفط والغاز قد يصعب تطويره في ضل الوضع الراهن الليبي الذي يجب أن يمد الدولة التونسية بموافقته على عملية التطوير.
وبناءً عليه إنصح المسؤولين التونسيين الساهرين على مجال النفط والغاز وكذلك مجلس نواب الشعب التريث وعدم عقد هذه الصفقة في الوقت الراهن وبالمعطيات المتوفرة، والإتجاه نحو تغريم الشركة السويدية ب. أ. رسورزس والمناورة للحصول على مبلغ الهجر المتفق عليه بما أنه تبين جلياً اىنها أخلت بتعهداتها، كما لا يجب أن ننسى أن مدة صلوحية إسناد إمتياز "زارات" انقضت منذ 24 جويلية 2015.
عزيزي القارئ لست إلا مواطن بسيط يحاول توظيف خبرة العشرين سنة في المجال لمساعدة بلده. ليس لي إلا حل الكتابة والإنارة والتوجيه والنصح لا غير ويبقى قرار إقتناء رخص شركة ب. أ. رسورزس من طرف البلاد التونسية من عدمه بين أيادي المسؤولين التونسيين الساهرين على القطاع ومجلس نواب الشعب، وأتمنى أن يتخذوا القرار الصواب.
شخصياً أعتقد أن البلاد التونسية تحاول شراء السمك العائم في المياه الإقليمية.
12 أوت 2016.
الحبيب بن فرحات:خبير دولي في مجال الطاقة