أفكر في مغادرة شيء ما . ربما تولد الحكمة من رحمها أو حتى من مجرد التفكير فيها. وربما تغرب إلى الأبد فتجدني مضطرا للبقاء.
المهم في كل ذلك أني لا أكف عن رفض الواقع المعاش مادمت مبعدا عن صناعته قسرا ، حتى أراني غريبا في زمن الضباع المستأسدة و زمن الكائنات المتناعمة. أرفض قطعيا حياة النعام و الأنعام و لن أرض بأقل من حياة الأحرار . لعلي أفشل في ذلك ، لكن حتما لن أكف عن المحاولة.
المنجز ليس ما تصل إليه فحسب ، بل هو أبعد من ذلك بكثير : إنه الكدح فالملاقاة. من آثر السكينة ينتهي بلا مآلات تذكر ، أما من ركب المصاعب إنتصر لمجرد الركوب أو حتى لمجرد التفكير فيه للحظة. إركب أو تُركب و إن ركبت لن تُركب أبدا.
المهم أن لا تنسى أن تستجلب معك ما تيسر من السياط و تتجهز بما إستطعت من النعال ، ثم إحذر ما إستطعت مخالطة الأغبياء.. مخالطة الأغبياء بما في ذلك الإفتراضيين منهم ، من أكثر طرق الإنتحار البطيء نجاعة . تجدك مضطرا أن تكون ضحية للأحداث و أنت قادر على أن تصنعها .
تراهم كونيون و أمميون ، في أحسن حالاتهم ، مع ذلك يصرون أن يكونوا مجرد ببغاوات ، ووراء القضايا المفتعلة والمصنوعة يهرولون . الببغاوات متميزون لأنهم على الترديد قادرون وإن تلكؤوا . أما الأغبياء حتى على ذلك عاجزون . و هم عليه يصرون وبه يتمتعون و يسعدون .
فلا أتعس من أن تجد نفسك شريكا لهؤلاء وأولئك . البقية ، وما أدراك ما هم ، في الشقاوة المقيتة يشقون و بعقولهم يئنون و يتألمون و بمعركة إقامة الحق مستمسكون.
معركة فرض سيادة الحق شرسة إلى أبعد الحدود مهما كانت قيمة الجهد الذي تستثمره فيها ، مع ذلك فإن مقارعة الأغبياء أشد شراسة و تشبه حراثة البحر و التبوّل في رمال الصحراء الممتدة. إسقاط الأغبياء لا يعني الفوز بالمعركة لكنه شرط ضروري لخوضها.
إننا نعيش اليوم لحظات حاسمة وحرجة من تاريخنا الشخصي والجماعي . نجد أنفسنا فرادى وجماعات مجبرين لا فقط على خوض المعركة بل على الإنتصار فيها . فلا خيار لنا سوى الإنتصار أو العود إلى بدء وعليه . وكل واحد منا معني بهذا النصر وقدرنا أن نحققه كلفنا ذلك ما كلفنا .
فلا قدر العزيز المقتدر إن هزمنا فقد فتحت علينا أبواب جهنم والمحرقة على مصراعيهما وستأخذنا حتما إلى الأفول . فالأبواب جميعها موصدة ، قدرتنا على المناورة او الهروب إلى الأمام او الخلف باتت محدودة جدا ، بل أراني لا أخطئ التقدير عندما أدعي أنها إنعدمت.
فعلينا جميعا ، حتى لا نغرق وأولادنا من بعدنا لعقود أخرى ، وحتى لا تستمر الأوضاع على ما كانت وماهي عليه، علينا أن نستشرس ونقاوم بشدة وإلا مصيرنا سيكون مصير المتخاذلين المنسحبين من ارض المعركة مرددين .
"أخطى راسي وأضرب " ، "دار الخلا تبيع اللفت " ، ما عندنا ما نخسرو " ، الناس الكل تلوج على الكراسي " ، " تي عالأقل نرتاحو من ها الهيجوج والميجوج " ، " يا ولدي ما جابتلنا ها الثورة كان العرك والفوضى والغلاء والنتونة" ، " قبل على الأقل كنا رايضين لا إرهاب لا والو " … وغيرها من المقولات .
تلك المقولات كلها دمغجة من أجل أن يجعلونكم تستبطنون الإستبداد وتحنون إليه ومن ثمة يتسللون كالنار في الهشيم إلى إعادة القبضة والإستئساد. يا أيها المعنيين بالنجاح عليكم أن تدافعوا عن أنفسكم وإن لم يكن من أجل الجميع فمن أجل أنفسكم ….الحرية لا تهان … وتستأهل. ما تنسوش أنكم ماكمش كمشة بڨر ولا نعاج … ما تنسوش أنو من حقكم تعيشوا كيما تحبوا…. القدرة على التحرر تعمل الفارق وتصنع التاريخ وتبني .
عربة خضار أسقطت رأس نظام متكبر جبار . الإصرار على خيارات التفقير والشعوذة سيسقط ما تبقى من أعوانه و كل عميل صمصار .
لأنهم تعاملوا مع تسامح المقهورين وعدم خبرة قادتهم بألاعيب السياسة بخبث و إستهتار .
لأنهم صم عمي لا يفقهون من علم التاريخ سوى سرد الوقائع على مقاسهم ، و يجهلون أن التاريخ بقدر ما يحتويه من تراتبيّة رتيبة مكّار.
إنَّ قضيّة القضايا للمشاريع الثورية الجادة، تسكن دائما في عمق حياة البسطاء الذين أنهكتهم الخصاصة والإحتياج و أعياهم التجويع والتفقير …..
الإنحياز المطلق للضحايا هي أم القضايا و الإلتزام و الإصطفاف . غير ذلك تبرجز مقيت و وترف لا طائل منه.
التاريخ لا يصنعه رواد الفنادق ، إنه منجز الكادحين المتخندقين كالبنيان المرصوص في في أدق دقائق إهتمامات البسطاء و تطلعاتهم ، التاريخ يصنعه رجال صدقوا إلتزاماتهم و مابدلوا إلاّ أطروحاتهم التي لم تصمد امام نقدهم .
هذا وطني الذي أتمنى أن أحيا فيه و لأجله. أرفض أن أعيش في مبغى. أرفض أن أعيش في مسلخ.