ما تشهده الساحة السياسية التونسية في قراءة متواضعة للمشهد كما يريد إخراجه الإعلام التونسي لا يمت بصلة للواقع السياسي الذي تعيشه البلاد . فالمعركة بين الإسلاميين وغيرهم معركة لا توجد إلا في أذهان من يسوقون لها و يتمنونها لأنها الضامن لإستمرارهم ومصالحهم .
المعركة الحقيقية التي تعيشها تونس معركة بين رغبة جامحة في التغيير وأخرى مستميتة في الدفاع على إستمرار ما كان قائما ومن ثمة تأبيده .
يمكن أن نفهم ذلك من خلال تشخيص واقعي للمستفيدين من الوضع الموهم به .
أولهم من أذنبوا في حق الشعب التونسي لمدة عقود ويستمرون عبر خلق هذا النوع من المعارك حتى يصطف ذوي الفكر كل حسب قناعاته ومن ثمة يقدمون أنفسهم عبر تمرير ما كانوا يتحكمون فيه في مصائر العباد وقدرات البلاد ويطرحون أنفسهم كبديل لا مفر منه لحفظ البلاد والعباد.
المستفيد الثاني من الوضع الإسلاميون الذين -وإن كانوا غير ضالعين في ذلك حسب إعتقادي - يخدمهم الإصطفاف على أساس ديني وتمييز الناس بين مسلم وكافر وهم أكبر الرابحين إذا ما إستمر الوضع على ما هو عليه.
المستفيد الثالث ذوي النظرة الضيقة والنفوس الضعيفة القادرين دوما على الإستفادة من جميع الأوضاع وتحقيق المنافع لخاصة أنفسهم وتهددهم الشفافية والوضوح وتحقيق الثورة لأهدافها .
أما الخاسرون هم حتما المعنيين أكثر من غيرهم بعملية التغيير لأنه في حال إنحراف الثورة عن مسارها الحقيقي سيجدون أنفسهم في نقطة الصفر وبالتالي أكثر المتضررين.
الخاسر الثاني هو اليسار التونسي المتشرذم أصلا الذي يتجه إلى مزيد من التشرذم وفقدان المصداقية لدى عامة الشعب لأنهم يدفعون ثمن الفوضى الموهم بها ويظهرونهم في مظهر المفسدين حتى وإن كان أغلبهم ليسو كذلك . ولعل أكثر ما يعانيه الكثير من اليساريين وبعض المثقفين الآخرين هو عدم قدرتهم على التصرف بموضوعية وتجاوز أحقادهم على طرف سياسي بعينه ،إذ أن عدائهم للفكر الديني وحقدهم على مريديه أكثر من إلتزامهم بالقضايا العادلة ، كما تمسكهم بالمواقف الراديكالية وعدم قدرتهم على تطوير فكرهم ومراجعته ، تجانبهم الصواب في أغلب ما يأتونه من مواقف وأفعال.
المرغوب حتى نتخلص من إرث ستة وخمسين سنة استبداد أن يصطف الجميع خلف تحقيق أهداف الثورة والدفع في إتجاهها وإلا لا قدرالله سنجد أنفسنا أمام خيارات الفوضى وعودة الاستبداد بأكثر نضج والإقتلال لأن البطون إذا خويت عميت.