على مدار خمسة عشرة عاماً حاول موسى كاظم الحسيني شيخ الحركة الوطنية الفلسطينية إيجاد حل عادل لقضية فلسطين، جاب الآفاق كلها وزار العديد من العواصم وطرق أبواب لندن مرات عديدة، قارع السياسيين والعسكريين الانجليز ناويء الحركة الصهيونية وتحدى قيادتها، وظل مؤمناً أنه قد يفلح يوماً ما في اقناع الحكام الانجليز بسحب وعد بلفور واقرار حكومة فلسطينية منتخبة وتقرير المصير، لم ينجح موسى كاظم في كل ذلك.
على مدار خمسة عشر عاماً حاول توحيد الحركة الوطنية وبناء مشروع يحمي الفلسطينيين ويوحد كلمتهم وينطق باسمهم، لم تعترف بريطانيا به ولا باللجان الاسلامية المسيحية، ولا باللجنة التنفيذية التي وقف على رأسها،
لم تستقبل الحسيني استقبال القائد كما استقبلت وايزمان، ولم تعترف به كما اعترفت بالوكالة اليهودية وتكشف الأرشيفات مقولات البريطانيين عن وفده: "أغبياء، سذج، حمقى" هكذا رأت بريطانيا الفلسطينيين وهكذا رأتهم الحركة الصهيونية أيضاً.
على مدار خمسة عشرة عاماً لم يتوانّ الشيخ الجليل وهو في الثمانينات من عمره، عن طرق العواصم والهرولة بين الدول من اجتماع لاجتماع، ولمّا أعياه التفاوض بلا نتيجة، قال علينا الاعتراف أننا فشلنا، لقد فشلنا، وليس لنا سوى الشارع، بعدها بأيام دعى موسى كاظم الحسيني لمظاهرة عارمة تجوب البلاد،
هددته بريطانيا، رفض التهديد وأطلق شرارة الانتفاضة التي اشتعلت في 13 تشرين أول 1933، هاجمت القوات البريطانية مقرات اللجنة التنفيذية، اعتقلت أعضاءها، مرغت وجوه الوجهاء الفلسطينيين في التراب، أصابت موسى كاظم حين شبت خيول الشرطة فوق جسده النحيل، قتلت العديد من الشباب الثائر،
عانى موسى كاظم الاصابة لأشهر ومات بعدها جريحاً متعباً مثقلاً بالخيبات وبخمسة عشرة سنة.
في السابعة والعشرين من عمره كان عبد القادر الحسيني حين توفي والده، من يقنع عبد القادر أن يكمل مشروع والده ويفاوض؟ وحدها السلطة الفلسطينية بعد قرن من النضال وثلاثين عاماً من المفاوضات، لم تجرؤ حتى اليوم أن تقول للناس فشلنا.