الشهداء لا ينتظرون شيئاً يستعجلون الوقت دوماً، يستيقظون قبلنا جميعنا، قبل أحلامنا، قبل فرشاة الأسنان والمنشفة، قبل أغانينا، قبل أن تشرق الشمس، أو يعرف الفجر طريقه لحاراتنا،
الشهداء أول من يستيقظ فوق هذه الأرض وأول من يمضي في الطريق، تاركين خطاهم وراءهم لمن أحب اللحاق، وكلنا يتحسس ظله كي لا يلحق بهم.
الشهداء لا ينتظرون شيئاً، كان يعرفون كل شيء قبل أن يغادروا، أن أحداً لن يلحق بهم، وأن مظاهرة هزيلة ستخرج في تشييعهم، وأنهم لن يكونوا سوى خبراً شاحباً في جريدة، أصغر من اعلان وأقل من مربع الوفيات،
وأن أحداً لن يأخذ بثأرهم ولن يسأل عن دمهم،كانوا يعرفون عدد الخطابات التي ستلقى، وعدد فناجين القهوة التي ستوزع، وعدد كلمات التأبين، ومقدار الوقت الذي سيحتلونه قبل أن يعود الحديث عن الخبز وأسعار العملات.
الشهداء لا ينتظرون شيئاً كانوا يعرفون كل شيء، كانوا يعرفون أن جارزة المذيعة في التلفاز من متاجر إسرائيل، وأن التمر الذي وزع في الجنازة من بقالات إسرائيل، وأن موكب الوزير حين مر حماه أمن إسرائيل، وأن الخبز الذي أرسلوه عشاءً للمعزين من مخابز إسرائيل،
الشهداء كانوا يعرفون كل شيء لذلك اختارو ألا ينتظروا شيئاً وأن يستيقظوا قبلنا، وقبل الحياة وقبل إسرائيل، وأن يكونوا وجهاً لوجه أمام الموت، الشهداء لا ينتظرون شيئاً، نحن دوماً بانتظارهم،
قصائدنا جاهزة، وشعرنا جاهز، وأغنياتنا وألحاننا، ومقالاتنا وأقلامنا، كل شيء لدينا جاهز لكي نكتب للشهيد القادم، دوماً نحن بانتظار الشهداء، الشهداء الذين لا ينتظرون شيئاً.