الإسمنت قطاع استراتيجي و هام جدا وهو مصنف كنشاط مهلك جدا للبيئة لذلك مثلا في إيطاليا لا يرخص لأي مشروع جديد و تتطالب السلطة الإيطالية بتجنب تصدير الاسمنت كما أن كل شركة تريد الزيادة في إنتاجها لمجابهة المنافسة الخارجية يتم توجيهها نحو البلدان الخارجية مثل تونس و المغرب و الجزائر أو بعض بلدان شرق أوروبا.
في تونس فرطت الدولة في ستة مصانع كانت تمثل مفخرة للبلاد بحسن نوعية إنتاجها (اسمنت قابس مصنف عالميا من أحسن أنواع الاسمنت جودة نظرا للمواد الخام المتوفرة في المنطقة تم التفويت فيه لشركة برتغالية يبدو أن وراءها صناديق تمويل أمريكية) من ذلك أذكر الجميع أن إسبانيا قدمت شكاية ضد تونس بدعوى إغراق السوق في مادة الإسمنت في سنة 1992 "للقات" GATT " الذي تحول إلى منظمة التجارة الدولية سنة 1995 و ذلك نظرا للقدرة التنافسية العالية للإسمنت التونسي في السوق العالمية.
لكن ما راعنا إلا أن الدولة الفاسدة قررت التفويت في مصانعنا الوطنية من بينها ثلاث مصانع لإسبانيا منها مصنع الإسمنت الأبيض الذي كان سابقا يعد تقريبا الوحيد في شمال إفريقيا ؟ ثم تمكنت شركات برتغالية لديها شبوهات تغطية عن جهات متعددة باقتناء مصنعين مصنع قابس و مصنع بجبل الوسط و تمكنت شركة إيطالية من مصنع جبل الجلود.
كنت أتصور و أتمنى أن حكام ما بعد نظام بن علي أن يراجعوا هذه السياسة الهدامة و يقطعوا مع التفويت في مؤسساتنا الاستراتيجية التي تتحكم في قطاع البناء بأسره من ذلك مثلا شركة الاسمنت الأبيض تقوم بزيادات في الاسعار مشطة في كل ثلاثي تقريبا بدون رقيب و لا حسيب مما سيكون له تأثير مباشر على اسعار العقارات في تونس و يثقل كاهل الطبقات المتوسطة التي تطمع في بناء أو اقتناء مسكن.
كما يجب الملاحظة أن التفويت في هذه المؤسسات المربحة جدا جدا لها تأثير كبير على استنزاف رصيدنا من العملة الأجنبية لأن الدولة التونسية سمحت لهذه الشركات الأجنبية بترحيل كل مرابيحها السنوية إلى الخارج هذا علاوة على تدليس فواتير المساعدات الفنية المزورة و التي تستنزف كذلك رصيدنا الوطني في هذا الوضع الذي تعاني منه البلاد من فقدان للعملة الأجنبية حيث تضطر للقروض الخارجية لتمكين هذه الشركات من تحويل مرابحها.
خراب كامل ما زال يجري في هذه البلاد و الحكام و السماسرة تسارع في بيع البلاد بدون هوادة و بدون تفكير استراتيجي في نتائج هذا العمل الشنيع.