زيـــــــاد الهاني/ بــــــــرهان بسيّس: أو في العودة إلى سيرة بوب دينار

Photo

بوب دينار، أو ذلك القاتل المأجور، يتخلّص الآن من الكلاشنكوف، يلعب في مربّع الرصاص الأخطر، وينشطر إلى أكثر من بوب جديد، صار اعلاميا ينتحر في الفكرة ونقيضها، وصار مثنّى بعد أن أصبح كل رجل اعلام هو الآخر بوب دينار لا يكتب ولا يقول ولا يصرّح إلا إذا نال نصيبه من فساد الرّهان الثوريّ، إذ كلّما علت أصوات الغضب انتكست الأقلام وشوّهت أنبياء الحراك الاجتماعيّ، وأجل فهذا ما يحدث هذه الأيام مع آخر تصريحات المدعوين برهان بسيّس وزياد الهاني.

وممّا لا شكّ في أنه تسيطر الانتهازية بشكل يكاد يكون دائما على رجال الاعلام، مصدرها يتأتّى من ذلك الشبق العظيم لصدّ امكانية عودة تلك الجريدة الالكترونية أو الصحيفة الورقية الى مرحلة الصفر أو الإفلاس، ومصدرها أيضا ينبع من تسابق بعض الاعلاميين الى الثأر من سنوات البؤس والبطالة والذل والفقر التي عايشوها، بل وأكثر من ذلك، حين تتحوّل الحقيقة الى مجرّد جيفة تقتات منها بعض المقالات الفاسدة والهشة حيث لا قانون ينتظم في اللغة، لأنه وببساطة لم يعد هناك مجال لكتابة ارادية، اذ أن رجال المافيا والبوليس ورجال الأعمال هم من يشرفوا بشكل يكاد يكون مباشر على مؤسسات الاعلام، كأن تكون هذه الأخيرة مجرد مكاتب تابعة لها، أو كأن تتورط في ملفات موغلة في الجشع فلا حول ولا قوة لها الا بالمضي قدما في حماقاتها حيث لا شيء الا التنكيل بالحقيقة وحجبها، وادارة الصراع الى وجهة أخرى تخدم مصلحة هذا أو ذاك مراعاة لما يدفعه من مقابل.

هؤلاء الاعلاميين، حفارو القبور، في زمن الثورات المغدورة، الثورات المبتورة، الثورات المصلوبة، الثورات التي يزنى بها في أسواق رأس المال، الثورات التي صنع من أجل اغتيالها أكثر من تنظيم للتشويش على مسارتها، داعش مثلا، كي تظل رهينة الالتباس، الثورات التي بات يضارب بها في البورصات العالمية، هم لا غير، من تاجروا باسمها، من تسابقوا الى أعدائها كي يطرحوا أنفسهم فرسانا للشرّ، لا دين لهم غير دفعها الى الهاوية، وهم في مقابل ذلك لم يحرجهم اطلاقا أن يتحولوا الى تجار ولصوص.

هناك ضرب من التسابق نحو الجلاد، حين تصبح اللغة سلاحا، تمدح أو تهجو، وحين تصبح الصورة أقراصا من الأفيون والتضليل، ببساطة يكون من الممكن جدا أن يصبح الشيطان نبيا، ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف، ويصبح رجل الأمن قديسا، ورجل السياسة ثوريا حدّ التصوف، بينما يصبح الشهيد مجرّد جيفة لكلب تلقى صورته في محافل الكرنفالات السياسية والانتخابية.

عويلهم الدائم، نباحهم السافر، عجينهم الفاسد، لؤمهم المرضي، حقدهم الحار، طينتهم المتصدعة، وجوههم الشاحبة، دمائهم الباردة، أقلامهم المأجورة:

بعضهم لا تصيبه الثورية الا ليقصم ظهر هذا مقابل ما يدفعه الآخر، وابحث لك وللوطن عن سبيل…

بعضهم تصيبه الدهشة فيكون ضبعا ويهب حبره لرجال الأعمال ووزارة الارهاب، ولا تتعجل طرح السؤال حول سيكولوجيتهم الهشة، فهناك من لا يقدر أن يحيا دون أن يكون له جلادا فيتلذذ عميقا بعبوديته…

بعضهم يئس من العالم، ومن امكانية حدوث ثورات تعيد للإنسان صفاءه، فقرر الذهاب بالخراب الى أقصاه، ولا تبحث عن الحقيقة، فدمها تفرق بين الجرائد…

بعضهم سحرته شمبانيا اللصوص، فقرر أن يكون مثلهم، ووقف كثيرا أمام الوزارات، يبيع قلمه لرجال الأمن وعصابات التقتيل والترويع، ولا تسأل عن الإيديولوجيا، فتزييفها أمر ممكن..

هؤلاء، والاستثناء لا يمس الا قليل القليل من الاعلاميين الذين خاضوا هذه التجربة فقرروا وضع حد لنهايتها معهم، أو تمّ التنكيل بهم فلم ينالوا حتى أجورهم من تلك المؤسسات الطاعنة في الجشع، الجديرون بالمذبحة، بدل أن يذبح جرحى الثورات جوعا واذلالا، آن أوان كشفهم، والاشارة الى عجينهم المدنّس.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات