ينبغي أن نعترف اليوم بأن السيد قيس سعيد الذي ظل يردد على مسامعنا في كل مناسبة أن هذا البلد واحد وأن رئيسه واحد إنما يسعى لمغالطة الجميع فهو رجل كل الثنائيات بامتياز ! . فهذا البلد وكما يقول هو نفسه في سياقات مغايرة منقسم إلى شقين : بلد الصادقين من أمثاله ، وبلد الخونة من أمثالنا ! . وهذا الرجل مزدوج الشخصية إلى حدّ أن قصر قرطاج أصبح يقطنه رئيسان : قيس الصادق الصدوق وسعيد ، الميكيافلي إلى أبعد الحدود ! .
فلنستعرض ملامح هاتين الشخصيتين العجيبتين :
- السيد قيس هو السياسي الوحيد الذي ثبت على مبادئه التي يؤمن بها ، ولم يجعل منها أبدا موضوعا للمقايضة أو التسويات.
- بينما السيد سعيد هو الرئيس الذي طبّع مع النظام الرسمي العربي وانقلابيه واستثمر في هذه العلاقات المجافية لمنطق الثورة من أجل تمرير الانقلاب وتنفيذ ما يحلم به من سياسات.
- السيد قيس هو الرجل الذي حاضر في الدساتير أستاذا ومتقاعدا ثم رئيسا. وأنا شخصيا لا أشك في إطلاعه الواسع ولا في إيمانه واحترامه للقوانين .
- بينما السيد سعيد هو أكثر السياسيين الذين أحتقروا واستعملوا لمصالحهم الذاتية مختلف أنواع القوانين. فهو يرفض يمين الوزراء بحجة الالتزام بالدستور ! وهو يرفض المصادقة على المحكمة الدستورية بحجة الرغبة في عدم تجاوز أحكام الدستور ، وهو ينسب لنفسه السلطة على قوى الأمن الداخلي بحجة فصل من فصول الدستور ! .. هذا عدا عن اعتدائه بالفاحشة على الفصل ثمانين ... وهو نفسه يعرف أن كل أفعاله هذه مخالفة لكل الدساتير ! .
- السيد قيس يؤمن ايمانا راسخا أن لوبيّات المال وعصابات الفساد هي التي تتحكم في مصير البلد وتدير كل خيوط اللعبة من وراء ستار.
- غير أن السيد سعيد لا يفعل في مقابل ذلك سوى حجز بضعة أطنان حديد ، والتلفظ ببضع شتائم نحو أصحاب مسالك التجويع لغاية الدعاية واستدامة زخم التأييد. ثم يسارع إلى لقاء اللوبيات التي يعرفها ممثلة في السيد ماجول ، وكأن لسان حاله يقول : اطمئن أنت وجماعتك أيها الحذّاء القديم ، ولا تلتفت لصواريخي الوهمية على صفحة الرئاسة . تلك فقط أدوات عمل ضرورية لمهنة السياسة ! .
- السيد قيس حافظ فعلا على هامش الحرية الذي اكتسبناه منذ الثورة. فالمدونون ينتقدونه على صفحات التواصل بكل حدّة ، والمتظاهرون يتظاهرون ضد انقلابه بكل حرّية .
- أما السيد سعيد فقد كان يعرف تمام المعرفة من أين تؤكل كتف السياسة وكيف يلتهم بالتدريج جسد الحرية. فأول مبادراته هي ايداع النائب ياسين العياري خلف أسوار المرناقية . وليس ذلك إلا لعلمه بأن حرّيته أخطر عليه من التظاهر في شارع الثورة بالملايين . ثم وضع يده الخفية على الإعلام الرسمي و " المستقل " حتى عدنا إلى عبارات التمجيد القديمة ، وفقرات توجيهات الرئيس . وأصبحت المحاكم العسكرية أسلوبه المفضل لترويع القطاعات الأعلى صوتا والأكثر نضالية .
- السيد قيس يعتقد أن المسار الثوري الذي بدأ بتاريخ 17ديسمبر قد تمّ اغتياله فعلا بتاريخ 14جانفي 2011. وهي قناعة يشترك فيها حقيقة مع كثيرين .
- ولكن السيد سعيد يحاول استعادة مسار17ديسمبر من خلال التحالف الضمني والمباشر مع كل عرابي الثورة المضادة في الداخل والخارج ابتداء من فرنسا ومصر والسعودية وانتهاء بآمرة صرف الانقلابات ، دولة الإمارات العربية !
- السيد قيس يعتقد حقّا أن التطبيع خيانة عظمى.
- وفي نفس الوقت يعقد السيد سعيد تحالفات استراتيجية ، في الداخل والخارج ، مع كل الخونة المطبعين !
- السيد قيس صاحب شعار الشعب يريد ، يعتقد جازما أن شعبيته الجارفة تتحدى كل المعارضات. وهو مطمئن إلى أنه قادر على الحكم من خلالها عقودا بعد عقود .
- أما السيد سعيد فهو يتصرف كنبيّ مصطفى أُرسل إلى قوم ثمود. وهو يشعر في قرارة نفسه بأنه وحيد ومنعزل وليس بشيء لولا ما حوله من جنود .
وأما أخطر ما في سلوكياته فهو الإيمان برؤيته السياسية كدين لا يحتمل الجدل والتشكيك . والسياسة عندما تتحول إلى ديانة يصبح صاحب الرأي المخالف خائنا أو مارقا زنديقا !