في بلدي ، الفقر هو نعمة السياسيين ، فهو يمكّنهم من تطويع الجائعين مقابل سلّة غذاء من الزيت النباتي والعجين. في بلدي ، يُقاد المواطن إلى صندوق الاقتراع مثلما تقاد الكلاب إلى مرابطها بعظمة ، أو بقطعة لحم .
في بلدي ، الديموقراطية قصة كرتونية مدبلجة ، تقتلنا ضحكا ، وأحيانا تدفعنا إلى مرّ البكاء . في بلدي ، السلطة السياسية يحدّدها المال والايديولوجيا : يأخذ المال نصيبه من كعكة الشعب ، وتأخذ الايديولوجيا نصيبها ... وما بقي تصويت بالخطأ ، إما لتجاور وتشابه في الرموز والصور ، أو لضعف في مدى النظر!
في بلدي ، لا يوجد " تصويت مفيد " بل فقط تجديد للقيود .. ولا يوجد تصويت عقابي ، بل فقط بيع وشراء في السوق الموازي. في بلدي ، الديموقراطية تحوّلت شيئا فشيئا إلى ما يُشبه طبلا أجوف ، لا نقبض فيه على غير الخواء .
مع الوقت بدأت تتحول ماكينة التجمع سابقا والنداء لاحقا إلى قبضة الشاهد . الماكينة نفسها ، بكل دواليبها وحتى أدق براغيها : من صبابة العهد البائد ومرتزقته ، إلى المتسلقين والانتهازيين والوالغين في كلّ ماء صاف أو عكر ، إلى أصحاب المصالح والمنتفعين ، وبائعي الذمم من أشباه المثقفين الذين أنتجهم نظام قديم جديد ، وانتهاء بقمة الهرم : أصحاب المال ، وأباطرة الفساد والأعمال .. ولا تعدم أن تجد بينهم بعض السذج ممن يؤمنون بحسن المقاصد وتنطلي عليهم مقولات أصحاب المفاسد .
هذه الماكينة التي تتلوّن مع كل انتخابات مثل حرباء ، وبرغم ما خلفته سلطتها من خراب ، مازالت قادرة على جمع ما يكفي من الأصوات .. مادامت تمتلك الإعلام وطبقة سادة وسيدات الأعمال .
عندما يصعد السياسي إلى الحكم من خلال استثماره في جوع المواطن ، سيكون همّه الأول توفير أحجار لكل البطون حتى تحتمل جوعها إلى حين غمس اصبعها في حبر جديد .
الديموقراطية التي تسود شعبا مفقّرا يعول برغم ذلك سبعة آلاف مليونيرا ، ستُفوِّتُ لهؤلاء في سبعة آلاف مكتب اقتراع ، والديموقراطية التي تضم سبعين مليارديرا ستفوت لهم في هيئة انتخابات كاملة رغم أنف الدستور.
الديموقراطية المعكوسة هي التي تستثمر في الفقر ، فيتناسل كل يوم جمهور الفقراء ، وتتعاظم في كل دورة ثروة الأغنياء .
نحن باختصار ، شعب الخديعة والانخداع ، نُلْدغ من نفس الجحر مرّات ومرّات .. ونرفض اتهام الأفعى دون حجج قاطعة ومبررات !! .