كان آدم أوّل يساري على وجه هذه البسيطة ! .. فقد خلقه الله من أديم الأرض وطينها ، وأغلق دونه أبواب النعيم . ومنذ ذلك التاريخ ما انفك يسعى لولوج عدالة السماء ونعيم الملائكة السرمدي . كل الأنبياء كانوا من أهل " اليسار " ، لا اليسار ، فقد كانوا ضد سيستام العصر ، وكانوا من جنس الثوار.
كان روبن هود يساريا يؤمن بالعنف الثوري ، وكان أبو ذر يطلب العدالة دون إراقة دماء .. اليسار هو فكرة ، هو سعي نحو عدالة تلوح في الأفق . وسنظل نسعى إليها حتى وإن كان الطريق بلا أفق ! .. فالسير غاية نبيلة ، و مجرّد المسير يملؤنا سكينة .
في البداية كانت الفكرة ، ثم تأتي المصطلحات والأسماء . وفي البداية يجلس الثوري على يسار الملك ، ثم يصبح هو الملك ! كل يساري يحمل في داخله نزوعا بورحوازيا ، ينجح في لجمه أحيانا ، وأحيانا أي لجم لا يفيد ! .
وكل يميني بدوره يحمل في داخله وجها يساريا ، يظهر مرة وأحيانا يختفي . .. باستثناء نبيل القروي ، ففي داخله لصّ أفكار ولؤم ثعلبيّ . واليوم ، يموت ملاك " اليسار " فجأة ، فيدّعي الإرث كلّه هذا الدعيّ ! . حتى الأفكار يُزْنى بها ، وكثيرا ما تُغْتَصب ! .
كان مساء السادس من أكتوبر مثقلا بالموت ، و مع مرور الوقت ، بدأ ينقشع غبار المعارك الانتخابية عن أكوام من الضحايا ، عن جرحى ، وجنرالات يصارعون من أجل البقاء . ولكن المثير أن كتيبة بكاملها تمّ تدميرها ، ولم يبق منها غير جريح واحد يخبر عنها .. إنها جبهة اليسار ، التي تصدعت قبل المعركة ثم انكسرت ولم يبق منها غير شظايا .
وكعادة جيوشنا العربية ، سارع " اليسار " إلى الاحتماء بالصمت ، أو تعليق الهزائم على مشذب الشعب .. فأنبياء " اليسار " لا يخطئؤن ، وحالهم بالضبط كحال صالح في ثمود ! .
لم تكن قواعد اليسار هي من حضر بالغياب ، بل " اليسار" هو الذي أخلف الموعد .. لقد كان في حضوره أكبر غياب! . إذا لم تكن قواعد اليسار في أكثر المناطق حرمانا مثل الكاف وجندوبة وباجة ، فأي جهات الوطن تحتويها ؟ وإذا لم تكن خالتي مباركة تسكن هذه البقاع المهمشة فهل سنجدها يا ترى قريبا من الطرقات السريعة حيث لافتات اشهار الرحوي وحمة ؟ ..
لقد قام المهمّشون بواجبهم الانتخابي ، و قام القروي بواجبه " اليساري " فاختطف أصواتا بلا أهالي .. سنوات وحمة الهمامي يتغزل بخالتي مباركة ، ويعطي وعود الخطبة والزواح .. ولما أخلف وعده جاء فارس على جواده الأبيض وبيده قفة ممتلئة وجهاز تلفزيون اسمه نسمة .
كانت الهزيمة مدوية مثل الرعد ، ومع ذلك سارع المنهزمون إلى تقديم المقاطعة كإثبات وجود ! . وسارعوا إلى شتم النهضة والشعب كما تشتم البروليتاريا كل بورجوازي حقود ! .
يا أبناء اللئيمة ، أولى أن تشتموا عجزكم وخواءكم . أما اليسار فقد تحرّر اليوم من كل القيود .