" الزوتشيه " هي العقيدة الرسمية لدولة كوريا الشمالية ، ابتدعها الزعيم الراحل ايل سونغ على أنقاض الماركسية اللينينية .. والزوتشيه اليوم هي العقيدة الوحيدة المسموح بها .. وبهذا المعنى فإن كوريا الشمالية دولة ثيوقراطية خالصة ، وحكامها هم الأوصياء على حياة الأفراد وإيمانهم.
ومع ذلك فإن في هذا البلد المنغلق يوجد دستور ، وحزب حاكم .. بل وحتى أحزاب أخرى مختلفة . نحن لسنا كوريا الشمالية ، هذه حقيقة . نحن أسوأ من ذلك . لا دستور موجود ، ولا مؤسسات ، ولا أحزاب . فقط شخص مفرد والأمر 117 الذي جمع به كل سلطة أو شبهها ، وسُمِح لنا فيه فقط بحرّية قضاء حاجاتنا البشرية في كل الأوقات ! .
الأمر 117 هو بالضبط الترجمة القيسية لعبارة لويس الرابع عشر الشهيرة : أنا الدولة ! . نحن لسنا كوريا الشمالية . هذه حقيقة . نحن أسوأ من ذلك . فعلى الأقل هناك على تخوم الصين عائلة جمهورية مالكة ، ولن تدخل الدولة في فراغ أو فوضى مهلكة كما هو الحال عندنا ، لو اختفى زعيمهم لسبب من الأسباب .
نحن لسنا كوريا الشمالية ، هذه حقيقة . نحن أسوأ من ذلك . فعلى الأقل تملك السلطة في ذاك البلد قرارها المستقل ، وتستطيع مقاومة الضغط الخارجي بفضل سلاحها الرادع من كل الأنواع . ولكنّننا نسير اليوم بخطى حثيثة نحو التماهي مع هذه الدولة عقديّا بعد أن أخذ يلقي بظلاله على حياتنا لاهوت الاستبداد .
إن أخطر الديكتاتوريات هي تلك التي تخترع لنفسها عقيدة ملزمة لشعبها تحت طائلة الخروج عن الإجماع . وإن أكثر السياسات تسلطا هي تلك التي تصنع من المواطنين الأفراد قطيعا تخدّره الحروب الوهمية والعداوات الوهمية لتصرفه عن كل معارضة لصاحب الصولجان .
والعقيدة الجديدة التي يسعى الوضع الجديد إلى فرضها وتكريسها هي العقيدة المجالسية . وهي عقيدة لاهوتية خالصة بكل ما فيها من مسلّمات وقبليات وغموض وماورائيات عصيّة على الفهم البسيط .