عامر عيّاد......قبس مُضيء في مشهد إعلاميّ مُتعفّن وديء.... لم ألتق الرّجل يوما.....لا أعرفه واقعا ولا هو يعرفني.....وليس ضروريا، عندي أن أعرفه، واقعا، أو يعرفني......فعلاقتي بعامر عيّاد مثل علاقتي بأدباء العالم الكبار....علاقة أثيريّة عن بُعد... آثارهم وبصماتهم وإبداعاتهم تُعرّفني عليهم وتُقرّبني منهم، وتُحبّبني فيهم....
عرفتُه أكثر بعد انقلاب آكل الدّستور..... صحيح أنّ فضائيّة الزّيتونة لا تستهوي الكثير من المُشاهدين، بسبب خطّها التّحريري الجدّي، الذي لا بعتمد على الإسفاف والتّهريج والميوعة والتّزييف واستقطاب المشاهد بافتعال البوز والشّو والجلبة والضّوضاء.....
وصحيح أنّها مُحاصَرة ومحرومة من الإشهار..... ورغم ذلك، صنع برنامج حصاد24 الحواري، الذي يُديره عامر عيّاد يوميّا، الحدث....
وصُنع الحدث في برنامج حصاد24 ليس مردّه البوز والجلبة والبروباغندا....بل بالعكس، لم أر برنامجا سياسيّا يُدار بطريقة هادئة ورصينة وعقلانيّة مثل برنامج حصاد24....
صنع الحدث في حصاد24 مردّه الصّدق والوطنيّة والعمق ووضوح الرّؤية وجرأة التّحليل ومهارة التّفكيك ودقّة التشريح....في وطن يغلب على مشهده الإعلاميّ، وعلى منابره الحواريّة السّياسيّة خاصة، الدّعاية والبذاءة وقلّة الحياء وسوء الخلق والأخلاق وقلّة الوازع الوطني وخدمة لوبيات وبارونات الفساد والإفساد وأذرع الرّدة لزمن العنجهيّة والإستبداد......
في هذا الطّقس الإعلامي الخانق والموبوء والمتعفّن، يبرز إعلاميّ هادئ ومتواضع وخافت الصّوت (أكاد أقول خجولا)....وجريئا وصداميّا ومُتمكّنا ليُغيّر نظرتنا التّقليديّة للإعلاميّ النّاجح.....
عامر عيّاد، تكلّم حين سكت الكُلّ…..وأشار إلى الإنقلاب وصُنّاعه، وهم كُثر، بسبّابته، حين اعترت الجميع بهتة الصّدمة….وفضح المسكوت عنه….واستدعى لحصاده المغضوب عليهم من المظلومين والمنبوذين والمنبوزين…..وحاورهم بحرفيّة…..وامتصّ انفعالات بعضهم حين استبدّ بهم حماس الإنفعال……
وردّدها أكثر من مرّة"نحن هنا لا نصنع الشّو"….
ذاك هو عامر عيّاد الذي أعرفه…..والذي لم أعرفه…..ولم ألتقه…ولم أصافحه….. كما عرفتُ….ولم أعرف….ولم ألتق…..ولم أصافح كبار الأدباء الذين لم أعرفهم سوى من بين طيّات كتبهم ورواياتهم وروائعهم……وأحببتهم.