كنت أسمعها تردد هذه العبارة منذ بدأت أعي ما يدور حولي، وكنت أجيبها بسذاجة " كيف الذري لكل يمّهْ".. كانت تضمني إلى صدرها وتردف: "إنت ماكش كي الذري ،إنت وليدي نية برشة واللي يجي يعديها عليك!"
في البداية لم أكن أعير مثل هذه العبارات كبير اهتمام ولكن مع تقدمي في السن أدركت أنني أختلف بالفعل عن بقية أترابي وأن الله لم يمنحني "قراما" واحدا من الخبث الضروري للحياة!
فلقد كان بإمكان أي كان أن "يعديها علي" ويستغفلني "جهار فوق الدار"..
وكانت طيبتي التي تجاوزت حد المعقول مصدر قلق وانزعاج وتوتر كبير للوالدة رحمها الله، وكانت سببا في خوفها الدائم علي، وسعيها الدؤوب لحمايتي من الناس والمجتمع!
" يا وليدي ما تصدق حد وما تاثق في حد، وفيق على روحك وشابط على حقك".. هكذا كانت تردد بحنق حينما تكتشف أنني عفوت على من أساؤوا إلي أو تنازلت لأحد عن حق من حقوقي، أو لم أسع لما يسعى له أترابي من متاع وامتيازات ومكاسب!!
وكنت أضاعف من حنقها عندما أكرر أمامها بأنني سعيد بطيبتي وبحياتي وبشخصيتي ولا أجد مبررا لخوفها الدائم علي!!
" عجب يا وليدي، فلان ما هناكش بالباك وتكلم فيه، وفلان ما رجعش ليك فلوسك وزيد سلفتو...." تهمس لي وهي تجاهد لتبدو متماسكة، فأجيبها جوابا يضاعف ثورتها: "تي خليها عند ربي يمة".. فترد وهي تكاد تتميز من الغيظ:يا وليدي ما جيتش على قرقوش قلبي!
وكانت تحرص رحمها الله أن تكون سندي ولسان الدفاع عني في كل صغيرة وكبيرة: فكانت تخبئ لي أطايب الطعام حتى أعود لأنها تعلم أنني لن ألوم إخوتي إذا استأثروا بها كلها، وتنبهني خفية إلى كل ما يحاك ضدي من دسائس، حتى لا أُطعن في الظهر، وتمنحني ما تيسر من نقود حتى دون أن أطلبها منها، "وليدي قداش باش ندوملك، خبش وهبش على روحك"
"ربي يطول في عمرك يمة، هاك أنتي تخبش وتهبش في بقعتي"، يغلبها الضحك، وتدعوني إلى كأس شاي منعنع، وتؤثرني دون إخوتي بالكاكوية أو اللوز، و"تشربهم" الشاي "حافيا"..
" لخاطر الطيب خوكم الكبير، والكبير ربي، ولخاطر هو ما يسرقش ليا اللوز والكاكاوية كيفكم".. ترد عليهم حين يحتجون على إيثاري دونهم..