كان ذلك في أواخر الستينات خلال شهر أفريل وكنت وقتها أدرس في السنة الثانية إبتدائي!
أذكر أنني خرجت لتوّي من حصّة الفرنسية، وسلكت الطريق المعبدة لأعرّج على منزل عمّي قبل العودة إلى البيت، وما أن سرت أمتارا قليلة حتى لمحت عمي يشير عليّ من بعيد أن أسرع !
حثثت الخطى، وعندما وصلت قريبا منه وجدته يرعى شويهاته على جنبات الطريق وبجانبه سيارة بلوحة منجمية فرنسية، و"توريست" أشقر يبادله الحديث ببعض التشنج
- يا طفلْ، خاطبني بتوتر ظاهر، ماك تقرى بالسّوري؟
- إي، أجبته، قبل أن أضيف وجلا:
-شوية بركة نفهم موش برشة
- -باهي، أجابني، نا حصلت مع ها التوريست، وقف بحذاي وحكا معاي بالسّوري، جاوبتو:
-oui,oui ..آخي هز العلوش، ولّيت قلتلو:non,non .. وهاو ما رجّعش العلوش!
- باهي اشنوة نڤلو يا عمي، تساءلت وقد أُسقط بيدي..
-ڤلُّو يرجّع العلوش و إلاّ العشية تكبر!
ولا يسأل أحد عن الارتباك الذي وقعت فيه، وعن العرق البارد الذي غمر كل خلية فيّ!
يا إلاهي صرخت أعماقي: كيف سأترجم هذه الجملة للفرنسية وأنا لا أتقن إلا عبارات محدودة لا تغني ولا تسمن من جوع! ولكني لم أكن مخيّرا وكان يجب أن أتصرف:
-monsieur le touriste ,ammi dit a toi
أخذت نفسا عميقا قبل أن أواصل الترجمة الكارثية وقد جحظت عيناي وارتعشت ركبتاي،
-brebi de moi pas donner,ou soir devenu grand
وكان واضحا أن التوريست لم يفهم عني، ولكن بدت على عمّي سعادة غامرة وهو يرى ابن أخيه يرطن بلغة "موليار"، فأضاف مشجعا :
- وڤلّو آخي نا جايبو من الواد، يعلم ربي بحالي!
يا إلاهي، وهذه كيف سأترجمها، تساءلت بيني وبين نفسي، ولكن لم يكن بدّ من المحاولة:
-ammi dit,moi vient le brebi de l‘oued?dieu ......tout
ولم أجد الترجمةالمناسبة ل"يعلم"، ولكن الله كان رحيما بي فقد أعاد التوريست الخروف لعمي وقال لنا كلاما لم أفهم منه شيئا وشغل سيارته وانصرف..
- واش ڤال القاوري يا طفلْ؟ سألني عمي مندهشا..
- ڤال، الطفل هذا [أقصد نفسي] طيارة متاع سوري!
احتضنني عمي ومنحني مائة مليم بحالها وهو يردد :
- والله يعطيك الصحة تحكي بالسوري كيف "التوريست"..
وحين وصل الخبر إلى هنية زغردتْ فرحة وراحت تشيع في كل مجلس بأنّ:
-الطيب ولدي يحكي بالسّوري خير من الفرنسيس!