بالرغم من برودة شتاء هذه السنة، تعرف المنطقة العربية حرارة متزايدة يوما بعد يوم و مسلسل متواصل من الصراعات و الحروب الأهلية بين الاخوة الأعداء. لا توجد دولة عربية واحدة، لا تعزف فيها سيمفونية الرصاص، حيث مهما انتقلت البوصلة من شرق الأمة إلى غربها فإن العنوان واحد، واقع عربي مرير.
في ظل هذا المشهد السريالي، لم تعد القضية الفلسطينية محور الوجود العربي و لم تعد تلقى اهتمام الساسة العرب، فقد تغييرت الحسابات و لم تعد القدس عروس عروبتنا كما يقول مظفر النواب.
هذا الشهر، حصل ما كان سيحصل عاجلا أو أجلا و ما كان يحصل في الغرف المغلقة بعيدا عن الأعين، بمدينة أوسلو النرويجية تسابق السياسيين العرب نحو تقديم هدية عيد الحب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو و طالبين العفو و السماح من أفعال المقاومة و عاقدين العزم لفتح صفحة جديدة من التاريخ العربي الصهيوني و طي صفحة الماضي كعربون محبة عربية جارفة، ففي نظر زعمائنا العرب فإن العدو الحقيقي للأمة العربية ليست إسرائيل بل هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا المارد الشيعي و الأخطبوط الممتد الأطراف بسوريا و العراق و صولا لليمن التى تكتب أخر النكسات العربية.
هذا التطبيع العلني و وضع اليد مع الكيان الصهيوني هو قربان يقدمه العرب لماما أمريكا المهندس الأول لهذا التقارب و التحالف لمواجهة المحور الايراني الروسي و من ورائه محاربة أخر حصون المقاومة العربية المتمثلة في حزب الله و حركة حماس.
في نفس هذا السياق احتضنت مدينة شرم الشيخ المصرية القمة العربية الأوروبية، مصر التى منذ أيام قليلة عرفت يوم أسود أعدم فرعونها الجديد فتيان في عمر الزهور، أعدمت معها كل حقوق الإنسان.
حقوق الإنسان التى دائما ما تغنى بها الغرب لكن هذه المرة لم تشغل بال المفوضين الأوروبيين القادمين لهذه القمة، رغم علمهم بتجاوزات النظام المصري منذ انقلابه على إرادة الشعب المصرى، حيث جاء طرحهم لموضوع حقوق الإنسان طرح فاقد لكل جدية ومجرد عتاب صغير، موقف جاء ليناقض المواقف السابقة و إشارة على عقد صفقة بين الغرب و الأنظمة الاستبدادية العربية من أجل هدف أسمى في نظرهم وهو أمن إسرائيل.
ترامب تستر على محمد بن سلمان و أخرجه كالشعرة من العجين بعد إغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية بتركيا و الآن صمت مطبق لما يحصل في مصر و بالعكس من ذلك حصل استقبال رفيع المستوى للسيسي بألمانيا و فرنسا.
حماية تقدمها الأنظمة الغربية لنظرائهم العرب رغم ما تعرفه المنطقة من حركية كبيرة منذ اندلاع الربيع العربي الذي قد يبلغ قطاره محطة الجزائر أين تشهد احتجاجات رافضة لولاية خامسة لرئيسها المقعد عبد العزيز بوتفليقة. حقوق الإنسان والمبادئ ترمى خلف النسيان عندما يكون التطبيع شعار المرحلة و من أجل أمن إسرائيل كل شئ يزول.