السياسة منذ ظهورها الأول بالشكل الاغريقي أو الروماني تواصلا ليوم هذا، تظل خاضعة لثنائية الحاكم و المحكوم أي القائد و الشعب و بعد سقوط حكم الكنيسة في أوروبا سابقا و سقوط الأنظمة المستبدة التي كرّست مفهوم الحكم الأوحد و الدائم، تحولت إرادة الشعب و اختياره هو العامل المفصلي في صياغة المشهد السياسي و اختيار الحاكم الجديد في ظل نظام ديمقراطي يقّر التعددية و التداول السلمي على السلطة.
مثلما يكون الترشح للمناصب السياسية حق مشروط لكل فرد فإن الانتخاب و الاختيار هو حق شخصي و حر لكل مواطن بدون أي ضغوطات سياسية أو اجتماعية. لكن هل هذه الحرية المكفولة بالقانون قد تقودنا الي الاختيارات الصائبة و المفيدة للبلاد و العباد، فبتعدد المرشحين تعددت الاختيارات و غاب التوافق حول مترشحين واضحي الفكرة و البرامج المستقبلية لخدمة الوطن.
الظاهر بالكاشف أن الناخب التونسي دائما ما تكون اختياراته غير خاضعة لمقاييس تتطلبها الحياة السياسية عامة و العملية الانتخابية بصفة خاصة، و إن كانت فلسفة الاختيار في الأصل تستوجب الخضوع إلى معايير الكفاءة، النزاهة، التجربة السياسية، بلاغة القول و فصاحة اللسان إلا أننا للأسف لا نرى هذه المقاييس تتداول بين الناخبين أو حتى المترشحين للمنصب المنشود.
أصبح الحكم على المترشحين و النوايا التصويتية لهم تقوم على نزوات و أهواء خاصة و متعددة مثل الانتماء العرقي والايديولوجي، معايير أخرى تتعلق بمظهر المترشح و شكله الخارجي دون البحث على ما يختلجه مضمونه و فكره، أخر يبحث في مترشحه من بين المؤسسات الأمنية و العسكرية معتقدا أن مرشحها يتميز بالصرامة ما قد ينعكس على حياة المواطنين اذا كتبه له الفوز.
لكن الأدهي و الأمر أن الكثيرين غابت عنهم ملكة التفكير و الاختيار و انقادوا نحو من يخاطب بطونهم دون عقولهم، نحو من يشتري أصواتهم بالقليل من الزيت و المقرونة و فئة أخرى للأسف حتى إن كان لها من العلم الكثير فإنها تنساق نحو ما تسمعه و تشاهده بوسائل الإعلام الموجهة و المدفوعة الأجر من أجل تزييف العقول و تزوير الاختيارات.
إن شهدنا انتقادات كثيرة للمترشحين و بلغ أمر حتى لمصادرة حقهم للترشح فإن أيضا الضلع الثاني من العملية الانتخابية يتوجب عليه مراجعة عميقة لطريقة اختياره لمن يحكم البلاد، فالاختيارات العشوائية الغارقة في وحل الطمع و الجهل و الغباء قد تكون نتائجها وخيمة و سلبية على البلاد و العباد و تدفع الكثيرين للندم بعد فوات الأوان.