تميز عصر الجاهلية بكونه زمن عرفت فيه المرأة الإهانة حيث سلبت حق العيش أولا، و كان ولادة الأنثى بمثابة العار لأبيها ثانيا، الذي يسرع بدوره بدفنها حية وحتى من سلمت من هذا الشر فإن مصيرها سيكون العبودية وبيوت الدعارة ملجأ لها.
حتى جاء الإسلام فحرر المرأة و وضعها في أفضل صورة ومكانة تستحقها فخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم وصفهن بشقائق الرجال، وبعد مرور السنين والعقود خرجت بعض الأصوات مدعية أن المرأة المسلمة هي ضحية دينها ولا بد من إهدائها حقوقها المسلوبة ومراجعة القوانين الموجودة بالنص الديني ومن بينها الدعوات والحملات الموجودة في تونس حاليا المتمثلة في الدعوة لمراجعة قانون الميراث.
مصدر الدعوات المطالبة بالتغيير:
تميز الحراك السياسي و الاجتماعي بعد الثورة بالتنوع والتعدد و خاصة بارتفاع منسوب الحرية مواكبة للمطالب التي قامت عليها ثورة 14 جانفي، التي أغلبها كانت مطالب اجتماعية تتمثل في التشغيل و التوزيع العادل للتنمية بين الجهات. إلا أن مع مرور الأيام ظهرت بعض الأصوات وخاصة مع صعود حزب نداء تونس للواجهة السياسية و من ثم لسدة الحكم تدعوا الحكومة ومجلس النواب بمراجعة قانون الميراث وجعله متناصفا بين الجنسين. وكانت هذه الدعوات متأتية بالأساس من طرف جمعيات المهتمة بالمرأة كـ:
• النساء الديمقراطيات.
• بعض الأحزاب المحسوبة على التيار اليساري.
• بعض النخب المثقفة من الرجال.
هذه الجمعيات من المجتمع والأحزاب للأسف جعلت من مطلبها مطلب أساسي وعاجل التحقيق، في بلد يعرف أزمات سياسية وخاصة اقتصادية أدت إلى استشراء الفساد في جميع القطاعات كانت نتائجه كارثية على المواطن البسيط الذي فقد قوته و عياله. ومن جهة الرافضين لهذا المشروع يعتبر هذا المطلب فيه نوع من المساس بالنص الديني المقدس.
حيث صرحت الأستاذة الجامعية والباحثة في الفكر الإسلامي ألفة يوسف قائلة: “أن النص القرآني لا يتضمن منع التفكير في مسالة المساواة في الميراث”. وهو ما يفتح باب التساؤلات حول الغاية الأساسية من هذه التأويلات الدينية و البحث عن إثارة الحيرة داخل مجتمع أغلبيته عاجزة عن توفير قوته اليومي.
أصوات تصيح عكس التيار
في استفتاء قامت به إذاعة شمس أف ام على موقعها بشبكة الانترنيت حول الدعوة إلى المساواة في الميراث في فترة سابقة، كانت النسبة الأعلى المقدرة بـ 81٪ رافضة لتغير هذا القانون الرباني. كما أن التعاليق و ردود القول على وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر أن هذه الدعوات مرفوضة لاعتبارين:
الأول ديني كون تونس دولة مسلمة والعيب كل العيب المس بالمقدسات الدينية. و اعتبار ثاني سياسي يرى أن الوضع العام سياسيا واقتصاديا غير مهيأ لطرح مثل هذه القضايا والمسائل البعيدة كل البعد على اهتمامات العامة، خاصة في ظل وجود عدة مشاكل اقتصادية كالبطالة وغلاء الأسعار ومشاكل اجتماعية مثل تفشي المخدرات و الجريمة داخل المجتمع.
حركة النهضة بين مطرقة القانون وسندان المدنية النهضة كحزب يحمل مرجعية إسلامية قد يكون من الأوائل الرافضين لهذا القانون واعتباره مس من ثوابت الفقه الإسلامي. إلا أن اصطفافها في وجه دعاة التغيير سيجعلها في معركة إيديولوجية تريد دائما الابتعاد والهروب منها، من أجل إبراز مدى تطورها وتطبيق مبدأ الفصل بين الدعوي والسياسي.
لحد الآن لا تزال الحركة مكتفية بالصمت والمتابعة من البعيد دون إصدار أي موقف واضح و حاسم لو أن بعض قياداتها صرحت بصفه فردية و عبرت عن رفضها لهذا القانون. هل ستنتصر النهضة للدين ومرجعيتها التاريخية؟ أم ستواصل مسلسل التنازلات عن قيمها لمصلحة التيارات العلمانية واليسارية؟ من أجل الفوز بمعركة الوجود السياسي داخل مجتمع أصبح باحث عن هويته المفقودة.