بعد إن كانت الانتخابات الرئاسية في تونس قبل سنة 2011 حدث عابر لا يحرك سواكن الشعب و لا أحلامهم بالتغيير بقدر ماهي فرصة جديدة للنظام في ترسيخ جذوره عبر سلب إرادة الشعوب و ترهيبهم فتتحول عملية الانتخاب لدي عامة الناس أمر لا يندرج في أجندتهم اليومية أصبحت اليوم الحدث الكبير و المنتظر بفضل تغييرات الحال في تونس بعد جانفي 2011.
سقط قناع الخوف و أصبح الترشح و الوصول إلى قصر قرطاج حلم يراود الجميع سياسيين إن كانوا أو حتى أسماء عادية من عامة الشعب استغلت الحرية القائمة من أجل ظهور خاطف قد يبدأ و ينتهي مع يوم تقديم الترشح فقط.
مع بزوغ فجر الحرية و بلوغنا الي الانتخابات الرئاسية الثانية في أقل من عقد من الزمن يظل يتملكني سؤال لا أعلم إن كان يحمله الكثيرين أو لا؟ و هل ستأتي انتخابات 15 سبتمبر بإجابة شافية و ضافية عليه؟
السؤال: هل سيعرف قصر قرطاج زائر جديد من أعماق البلاد أو ستظل أبوابه حكرا إلا على أبناء المتوسط؟
بورقيبة، بن علي و السبسي ثلاث رؤساء يمثلوا تونس الحاضرة و امتداد لنفس البيئة الجغرافية و الفكرية و إن اختلف الأمر قليلا لدي الباجي القائد السبسي الذي ببلوغه قصر قرطاج أصبح أول رئيس لتونس لا ينتمي لمنطقة الساحل التي لا لطالما مثلت محور و عصب الحكم في تونس قبل الثورة و حتى الآن رغم المحاولات المحتشمة لتحويل هذا الأمر إلى العاصمة.
الحقيقة الثابتة و المتجذرة لدي منظومة الحكم التي تأسست منذ الاستقلال أن لا رغبة لها في خسارة منصب الرئيس لشخصية لا تنتمي للشريط الساحلي بتونس و انتقلت هذه الفكرة إلى فئة كبيرة من التونسيين، فاختيار المترشحيين لا يقوم على مبدأ الكفاءة و جدوى البرامج و إنما على الانتماء الجهوي و العرقي.
تجربة انتخابات 2014 أكدث هذه الحقائق، وتحركت جميع الماكينات من أجل المرحوم الباجي القائد السبسي على حساب منافسه آنذاك ابن مدينة دوز المنصف المرزوقي و إن كان في الظاهر اختيار السبسي قائم على مقاييس متعلقة بتجربة الرجل السياسية السابقة و قدرته على إنقاذ تونس فإن الحقيقة المخفية تقول عكس ذلك، و الدليل القاطع أن النسب العالية التي تحصل عليها كانت موجودة في مدن الساحل و الشمال و حتى منه الغربي الذي عرف التهميش من لدن دولة الاستقلال.
مع عشية الانتخابات القادمة و بداية تقديم الترشحات، لا توجد بوادر تنقد أطروحتي، فالأصداء الرائجة بدون تأكيد إلى حد الآن تصب في خانة الدفع نحو ترشيح شخصيات سياسية ساحلية فاعلة من أجل قطع الطريق على مرشح جنوبي محتمل قد يكون الصافي سعيد أو المنصف المرزوقي و طمس أحلام الكثيرين في رؤية رئيس جديد يغرد خارج الكهنوت السياسي المقدس في تونس منذ فجر الاستقلال.
البلاد بقبضة عبث السياسة
بجميع دول العالم يؤثث الحياة السياسية مجموعة محدودة من الأحزاب تنتمي إلى تيارات سياسية و فكرية لا تتجاوز الأربعة تقريبا و المتمثلة بالأساس في اليمين بشقيه المحافظ و الليبرالي، يقابله اليسار بمدارسه المتعددة من اجتماعي إلى شيوعي مرورا بالتيار القومي.
الأحزاب سليلة هذه المدارس العريقة تعرف الوحدة و الانسجام و تقدم نفسها تقريبا في قائمات قليلة تطرح برامج واضحة و فاعلة تسهل على الناخب عملية اختيار من يمثله بعد فحص دقيق و معمق بعيد كل البعد عن الممارسات الشعبوية و اللاديمقراطية.
للأسف في تونس نعيش العبث السياسي في أبها تجلياته و فوضى هدامة لفترة تأسيسية خلنا أنها ستخرجنا من فترة الاستبداد لدنيا الديمقراطية بشخصيات سياسية حقيقية قادر على بناء وطن أسسه العدل و الحرية و العمل. مع قرب انتهاء تقديم القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية القادمة، تحول الأمر أشبه منه إلى سوق عكاظ، تخمة كبيرة من القائمات و من المترشحين منهم الجدد و منهم القدماء و بالأحرى الناجحين بالفشل منذ الانتخابات الفارطة و زادهم أدائهم الانتخابي فشلا على فشلا.
ففي نظرة خاطفة سنلاخط قائمات عديدة تنتمي إلى نفس العائلات السياسية تطرح نفس الأفكار و إن كانت عاجزة على تقديم طرح سياسي و فكري يليق بمستوى الحدث، العديد من النواب الذين مثلوا جهاتهم خلال الانتخابات الفارطة غابت عنهم الرجولة و الشجاعة للاعتراف بفشلهم و ترك مكانهم لوجوه جديدة لكن للأسف لم يترددوا لو لحظة واحدة في إعادة ترشيح أنفسهم من جديد و الأدهى و الأمر من ذلك البعض منهم أعاد ترشيح نفسه بقائمات تنتمي لأحزاب أخرى شكلت بقوة المال و التحيل على القانون من أجل الوصول إلى باردو.
تحولت السياسة في تونس لمشهد نشازي و لصورة قبيحة ارتمي إليها العابثين و الأغبياء باحثين عن تصدر الساحة ساعين نحو الشهرة و المال غير عالمين أن بفعلهم هذا سيصبح الوطن وكرا للدعارة السياسية، حينها سيضيع الوطن و ترحل معه كل الأحلام و الأمال لوطن يتسع للجميع و لكل من يحمل فكر منير و مفيد.