أخطر ما يتهدد تونس بحث الأحزاب بين الخصوم السياسيين عن "عدو قريب" بدل البحث عن العدو الرئيسي للبلاد والعباد، ورفض الكل للكل في جانب منه حرب الكل ضذ الكل. هل مازال تقسيم المشهد الحزبي الى اسلاميين وقوميين واشتراكيين وليبراليين قائما في ظل استفحال الفساد وتمدده كشخوص او جماعات او شبكات في جسد كل "فصيل" حزبي؟؟
زمن مقارعة الاستبداد لم يكن طرح اشكالية فساد أحد أفراد القوى الرافضة للاستبداد يلهي عن العدو الرئيس للعائلات السياسية حيث كان الاجراء استبعاده او تجريده ليتواصل جهد مواجهة منظومة فاسدة مستبدة تستهدف كل حياة في البلاد بعد انهاء أضعف حلقات منظومة الفساد والاستبداد والمتمثلة في الرأس وبعض افراد العائلة المقربين منه تحررت بقية الحلقات من "الخضوع" للأوامر ومن الخوف من العقاب إذا استأثرت لنفسها بصفقة دون اشراك أحد المقربين.
هذه الحلقات كونت لنفسها أذرع جديدة وواجهات جديدة ولم تتخل عن نشاطها الرئيس الذي يدرّ عليها ربحا وفيرا بأقل جهد. وحتى تتفادى امكانية السقوط مرة ثانية وزّعت حيوطها على مختلف العائلات وارتبطت بها اما مباشرة بالانخراط ضمن قياداتها وكان العدد محصورا في الذين تدور حولهم شبهات فساد وقد وصل بعضهم الى البرلمان في 2014 او بالتفاعل معها عبر التمويل والاسناد من وراء ستار ولم يبق الا المحسوبون على الخط الثوري فاكتفوا بالتعامل معهم بمنطق العلاقات الشخصية المتطورة والصداقات التي تسبب الاجراج في حال تناول موضوع أحدهم بالحديث.
هذا التوزع والانتشار الذي يخترق الجميع بأشكال وصور مختلفة ترافقه الة اعلامية مدججة بكل اسلحة التشويه والقدرة على بث الاشاعة ودفع الناس الى تصديقها بمجرد خلط قصدي بين صالح وطالح في أحد البلاتوهات وبين فاسد ورافض للفساد في منتدى حواري.
ويبقى الامر في الاخير بين ايدي فاسدين يهمهم بقاء الحال على ما هو عليه دون الوصول الى حلحلة الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد ففي ذلك حياة لهم. قد يكون تشكيل الحكومة في ظاهره ناتجا عن "صراع حزبي على السلطة و "كف" من هذا الطرف يتم الرد عليه بكف آخر لكن الخافي من هذا الصراع ربما هو سيطرة "من لا مصلحة لهم في الديمقراطية" على مفاصل حساسة في مواقع القرار داخل جل الأحزاب بطريقة معلنة وداخل بقية الاحزاب عن طريق التواصل مع قوى مؤثرة في القرار.
الأولى بالمشهد الحزبي ان يبحث في داخل كل منه عن المرتبطين بشبكات الفساد وان يتطهر منهم حتى يمكن لهم النظر الى الامام دون ان ترتعش ايديهم خشية تشويه او ملف معدّ يتم تسريبه الى مواقع لتقوم نشره.