وهل ممارسات الرئيس قيس سعيد تتماشى ومقاييس الشفافية والحوكمة الدولية؟
مقارنة بين ملف رئيس حكومة جينيف سابقا بيار مودي ووضعية الرئيس المباشر للمهام في تونس قيس سعيد.
أمضى رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد ووفده المرافق 3 ايام في القاهرة بعنوان "زيارة رسمية" رافقه فيها السيد وزير الشؤون الخارجية وعدد من مرافقيه ومستشاريه . الى حد اليوم لم يقع الاعلان عن امضاء أي اتفاقيات و لا عن نتائج الزيارة وغير مفهوم الى حد الان ما هي مصلحة الدولة التونسية من الزيارة برمتها. الزيارة غلب عليها الطابع السياحي والترويج لصورة النظام المصري كما أن التكلفة المادية للزيارة باهضة جدا ومن غير الواضح ما هو مردودها على الشعب التونسي.
اشتملت الزيارة "الرسمية" على زيارة أضرحة وأسواقا ومساجد وكنائس ومسارح ومتاحف دون أن تكون لتلك الزيارات ارتباطا مباشر بالمسؤولية التي يتحملها الرجل وهذه تعتبر في مقاييس الشفافية الدولية فسادا كبيرا تعمل المنظمات الدولية على محاربته والتصدي له في كل مكان.
كنت من ضمن الذين خاضوا خلال السنوات الماضية معركة كبيرة ضد السيد بيار مودي رئيس حكومة جينيف سابقا بسبب زيارة شابها البعض من هذا الفساد . كان الوزير قد أدى سنة 2015 زيارة "رسمية" الى الامارات العربية المتحدة اعتبرت لاحقا فسادا استوجبت عزله سياسيا واجتماعيا ومحاسبته قضائيا. شخصيا وبالرغم من أنه كانت تربطني بالرجل علاقة عمل وتعاون في بعض الملفات الا أن سلوكه ذاك استفزني كما استفز الجميع وجعلني من أول المطالبين بمحاسبته وعزله .
سافر الرجل وعائلته المتكونة من 4 أفراد ومدير ديوانه وأحد مستشاريه الى الامارات وتبين لاحقا أن محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي هو من تكفل بتكاليف النقل والاقامة في الامارات لمدة اسبوع حضر خلالها "الوفد" مسابقة رياضية. بعد رجوع الوفد الى جينيف وبعد وصول بعض المعلومات الغير مؤكدة حينها تحرك المجتمع المدني للمطالبة بكشف الحقائق والمحاسبة.
تواصلت الجهود على امتداد 5سنوات لان الرجل كان ينكر ما نسب له واعتبره اشاعات مغرضة، ولكن الضغط الشعبي والجمعياتي من أجل الحقيقة أجبر العدالة على التحرك بالرغم من ان الرجل تمكن من تقوية موقعه واصبح أحد الركائز الاساسية لمنظومة الحكم في جينيف .
كثرت وتعددت الشهادات و تحركت العدالة وطالبت برفع الحصانة عن رئيس الحكومة حينها وهذا ما حصل فعلا أواخر السنة الماضية . كان من أكثر الاسئلة التي شغلت المتابعين هو ما هو المقابل الذي تنتظره أبو ظبي من الخدمات التي قدمتها لمودي ولماذا تتكفل بالإقامة بالرغم أن الزيارة رسمية.
بعد ذلك جرد من كل المسؤوليات وبقي في الحكومة بدون مهمات محددة وتبرأ حزبه – اليمين المسيحي - منه وتخلى عنه أغلب رفاقه لخطورة الفعل الذي أقدم عليه. في جانفي 2021 صدر الحكم القضائي الذي يلزمه بتعويض كامل لخزينة الدولة يعادل ما أنفق وهو حوالي 55 ألف دولار وخسر الانتخابات الجزئية الشهر الماضي وأصبح مضرب أمثال حول الاخلاق السياسية.
السيد قيس سعيد سافر مع وفد – لم يعلن عن تركيبته – وأقام في قصر الاتحادية بالقاهرة وكل المناشط التي أعلن عنها رسميا على صفحة رئاسة الجمهورية لا علاقة لها مباشرة بصلاحيات رئيس الجمهورية في تونس والغريب أن السيد وزير الشؤون الخارجية كان يرافقه ايضا في زيارات بعيدة كل البعد عن مجال عمله أي الديبلوماسية والعلاقات الخارجية كما تجند أعضاء السفارة التونسية بالقاهرة بالكامل لخدمة الوفد "الرسمي" يطرح أكثر من سؤال.
الاكيد أن تكلفة زيارة الرئيس قيس سعيد الى القاهرة هي أضعاف تكلفة زيارة الوزير بيار مودي الى أبو ظبي والثابت أيضا الى حد الان على الاقل بأنه لم يقع الاعلان عن اي اتفاق رسمي أو مردودية ملموسة لهذه الزيارة المشبوهة .
أعتقد أنه يجب على المجتمع المدني واللجان المعنية بمكافحة الفساد ومنها اللجنة البرلمانية أن تتحرك في هذا الملف وان تطلب ايضاحات كاملة من رئاسة الجمهورية . والسؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو هل فعلا تكفل نظام المشير عبد الفتاح السيسي بتكاليف الاقامة وغيرها من التكاليف المرتبطة بالزيارة وما هو المقابل ؟
أعرف أن الذين يتعاطون مع ملفات الشفافية والحوكمة ويطلعون على التقارير الدولية المتعلقة بهذه الملفات يدركون أهمية هذه الجوانب على سمعة البلاد وعلى ثقة المؤسسات التي ترصد مثل هذه الممارسات وتوثقها ومن المهم جدا أن يكون للمجتمع المدني داخل البلاد الدور الأبرز وهو المتصدر للدفاع عن الشفافية والحوكمة والعدالة.
أما من الجانب السياسي فاني أذكر بأهمية مساءلة السيد وزير الشؤون الخارجية في البرلمان على أن تكون الجلسة غير علنية وتطرح فيها تمشي الديبلوماسية التونسية التي يشرف عليها رئيس الجمهورية بالتنسيق والتوافق مع رئيس الحكومة بحسب الدستور .