الحرّاق حضور حيّ لم يفقد القدرة على الحلم…

Photo

الحرّاق حضور حيّ لم يفقد القدرة على الحلم... الحرّاق و هو الخطأ يمشي على قدمين، لا يقطع جناحي الحلم. فيه شيء من الجنون و العبث و الجهل...لكنّه محصّن تمام التّحصين من شبهة الموت مستسلما، حتف أنفه... وحده الحرّاق يحلم في هذه البلاد الباردة ككنيسة كئيبة مهجورة.

وحده يحلم... و وحده يُشرف على الأقصى في رحلة جامحة تنتهي غالبا بأكله و أكلنا معه…

يُمكنك أن تضحك من أولئك الواقعيّين الذين يتحدّثون عن حرّاق يطلب لقمة عيش و أن تضحك أكثر من أولئك الذين يضحكون من الحرّاق و يقولون بمال الحرقة يُمكنه أن يبقى و يستثمر في أرض جرفوها هم بالكامل دون رحمة أو شفقة.

أحقّا يا صديقي تظنّ للحظة واحدة أنّ الحرّاق يُسافر من أجل لقمة العيش؟ أبدا. هو يسافر لأنّه يحلم، و يركب البحر من أجل حلم، طلبُ الرّزق فيه تفصيل من كتاب لا يعرف الحرّاق ما يُكتب عليه من غد...

يُمكنك أن تصفه بما شئت...لن تغيّر هذه الصّفات من كونه عنيدا جدّا، مغامرا جدّا، يُطارد أمرا يضحك منه الآخرون، يُسخّفونه، و من شاهق "عقلانيّاتهم" و "واقعيّاتهم" يقولون ما يشاؤون دون أن يُغيّروا شيئا...بل هم يقولون ما يقولون حتّى لا يتغيّر شيء...هذا أمر يعرفه الحرّاق دون حاجة إلى سماعهم...و لأنّه لا يُحسن الإصغاء ينجو من كمين الحكمة القاتلة.

الحرّاق يبحث عن جنّة، عن طوبى، عن أمل ما خارج هذا الرّكام من الحجر و البشر يذهب إلى غرب يظنّه الجنّة التي يعتقد جازما أنّها لن تكون هنا أبدا...و له من الوقت بعد العبور ما يكفي لاكتشاف كلّ شيء بما في ذلك الكثير من غبائه..

و هو في العنف الذي يُحرّكه أو في العنف الذي يخرج منه يأبى الاستسلام القدريّ إلى دولة متداعية و مجتمع خاو فقد منذ زمان حسّ المغامرة…

الحرّاق صورة من الأحلام التي تأبى ألّا يكون هناك أفق ما…و لو كان أفقا خادعا أحلام مدفوعة إلى أقصاها: التّضحية من أجلها بكلّ شيء يكون ذلك عنده قطعا أفضل من كوابيس يوميّة تُروّج لساكنة هذا البرّ على أنّها سير في طريق الأحلام العظيمة.

مَن لم تُحدّثه نفسه يوما بالحرقة/الحلم مات ميتة تونسيّة…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات