ذكرى قراءات عالقة

Photo

لم أكن قد رأيتُ أرنبا على الحقيقة بعد حينما قرأتُ حكاية الأرنب و السّلحفاة... كنتُ صغيرا عندما قرأتها في قصّة زاهية الألوان...و كنتُ صِدّيقا لكلّ الحكايات. و رغم ذلك لم أستسغها...لم أستسغ السّباق و لم أهضم فوز السّلحفاة…

لم يكن في قلبي شيء اسمُه مبالغة فجّة أو عبرة عميقة أو خيال مفتعل... كلّ ما كنتُ أشعر به هو عجز عن وجدان جواب لسؤال: لماذا نام الأرنب في قلب السّباق؟ لماذا لم يصل إلى خطّ النّهاية و له بعد ذلك أن ينام الوقت الذي يحلو له؟

ثمّة غباء ملصق بأرنب مستهتر لم يلصق عندي...و ثمّة فوز بدا لي غير مستحقّ في سباق مغشوش…

لسبب ما كانت قراءتي لكليلة و دمنة فرصة لأعرف أنّ الأرنب أذكى من أن ينام في الطّريق و أكثر حيلة من أن يكون فريسة سهلة للأسد…

كان قلب الطّفل يكبر قليلا...و كان يحسّ أنّ الحكاية المثليّة تمتدح الذّكاء في مواجهة القوّة...لذلك لم يفكّر كثيرا في نهاية الأسد...غرقُه على نحو ما نهاية عادلة. لكنّه فكّر في غبائه و هو لا يُميّز الجسد عن الصّورة، و قمر السّماء عن قمر الماء…

يوما ما و كانت الطّفولة و الأرانب ذكرى بعيدة غائمة وقعتُ على قصّة من أدب الزان البوذيّ...فيها اعترضتني الأرنب من جديد مرفوقة بالأسد. المشكلة بينهما هذه المرّة ليست مشكلة افتراس و إنّما مشكلة تعايش في نفس المكان الأسد لا يُطيق ضجّة الأرنب و صغاره و يأمره بالرّحيل في تهديد صريح…

المشكلة، و إن لم تكن مشكلة افتراس هي مجدّدا مشكلة إدارة اقتصاد القوّة و الذّكاء…

تتتابعُ المراحل كما في الحكاية المثليّة إلى حدود الوصول إلى الماء في قصّة الزان لا يندفع الأسد إلى خصمه و إنّما يزأر بشدّة و بملامح قاسية...فيرتدّ إليه صدى الصّوت و انعكاس الصّورة...و كلّما ارتدّا إليه ازداد هيجانا.

تقول القصّة إنّ الأرنب في الأثناء كان يتقلّب على الأرض ضحكا...و تقول القصّة إنّ الأسد المتغطرس المتجهّم خجل من نفسه و من غبائه... لقد رأى صورته الحقيقيّة في الماء و تطهّر منها دون أن يغرق…

قلتُ و أنا أجمع حواشي الطّفولة و الكهولة:

يُمكن للذّكاء ألّا يكون دهاء قاتلا...و يُمكن له أن ينتصر على الغطرسة دون أن يكون مثلها... و يُمكن للضّحك أن يصنع العجب...و واحدة من أعلى درجاته الضّحك من النّفس و اتّخاذ مسافة أمان من التّطابق الغبيّ معها و يمكن للمخيّلة أن تقنعك دون حاجة إلى المبالغة الفجّة أو الافتعال…

هناك اكتشاف آخر وهبته لي المقارنة بين أرانب القراءات : مثلما في الأرنب الصّغير ما ليس في الأسد الكبير، في الحكايات البسيطة أعماق لا تبلغها " الأفكار الكبيرة"

الأفكار الكبيرة هي أيضا سرديّات...لكنّ الكثير من أصحابها ينقصهم التّواضع...و الكثير منهم يفضّل التّمثّل بالأسد، لا بالأرنب...و ينتهي عدد منهم غرقى في نرجسيّاتهم من شدّة نظرهم في صفحة الماء…

الحكايات البسيطة سرديّات عميقة...و غالبا أصحابُها مجهولون فتتسمّى قصصهم بعدهم حكمة شعبيّة …

و عندما نقرأ شيئا منها تنغرس عميقا في القلب كشجرة في منزل الطّفولة،لا يهمّنا كثيرا مَن غرسها لأنّ الأهمّ هو أن نستظلّ بها و نلعب بين أغصانها و نأكل من ثمارها و نهبها دون غيرها خيالاتنا و كلماتنا و دموعنا أحيانا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات