حساسيّة ربيع

Photo

أكره الرّبيع دون أن أشير إلى شيء، لا إلى الرّبيع العربيّ و لا إلى الرّبيع العبريّ و لا إلى ربيع براغ ولا إلى أيّ ربيع هو مجاز نعبره إلى غيره…

كراهيتي بريئة من الإشارات و رَمْيان المعنى... و كراهيتي ساذجة لأنّها تقول ما تقول مباشرة كماء ينبع من العين فلا يسقي شيئا…

أكره الرّبيع منذ زمان بعيد، منذ ربيع العمر...و عندما يأتي بالعجاج مُخفيا ملامحه الهجينة، أعجب من الذين يستقبلونه و أبهت من الذين يزورونه في حقوله و مراعيه حيث ينفض عباءته المحمّلة بالرّوائح واللّقاح…

كلّ ربيع مناسبة متجدّدة لاختبار الهزيمة أمام الرّبيع… مرارا حاول الأطبّاء تهدئتي، يقولون قاوم و نعطيك الدّواء و تنتصر… في المرّات القليلة التي صدّقتهم فيها عرفتُ أنّ المقاومة نفسها لا تتسمّى كذلك إلّا بالحدّ الأدنى من التّكافؤ...وهو أمر لا أمتلكه عندما يتعلّق الأمر بالرّبيع…

مقاومتي نجحت في أمر واحد : أن أتجاوز وساطة الأطبّاء، أن أكتشف أنّ بعضهم و هو يُطمئنني بالشّفاء القادم كان يلهث من فرط الاختناق بروائح الرّبيع…

لذلك و أنا أعبر باب الطّبيب الأخير إلى الطّبيعة قلتُ للنّفس بيأس أعرف أنّه يفيدها أكثر من الأمل الكاذب : اصبري على الاختناق...ليس لي و لا لك غير ذلك...على الأقلّ هو فرصة حقيقيّة لتكتشفي ما لم يتواضع الفلاسفة لاكتشافه : أنت مجرّد نَفَس مفتوح على الخارج طبيعة لا تُعرف و غيبا لا يُدرك، نَفَس ينتعش بالمطر حين تمسح الهواء ممّا علق به ويختنق بالرّبيع حين يأتي بالعجاج و الرّوائح واللّقاح...و ينطفىء تماما حين تهترىء الأجهزة أو حين تُصاب بحادث في الطّريق…

أسأل نفسي كأنف مرغم على احتضان آثار الطّبيعة الهائجة : ما دخلي أنا في حبّ لستُ فيه حتّى عاشقا مهزوما يتعزّى بمضغ ذكريات خيبته؟ لم تجري العين بدموعها و يضيق الصّدر و تموت المذاقات لحبّ لا يعرف حتّى كوني موجودا في طريق تحقّقه؟

لو كنتُ أجد جوابا عن سرّ علوقي، أنا الثّالث الزّائد، في لعبة الحبّ الخانقة هذه ربّما كنتُ أمضي إلى الخريف المقبل أقلّ أوهاما و أعبر الفصول، بما في ذلك فصل الرّبيع أكثر صمتا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات