وقفة 18 سبتمبر الرمزية ومن بعدها وقفة 26 سبتمبر الشعبية أحيت السياسة بعد أن قتلها انقلاب مدعوم من "حزام ناسف للحياة السياسية".. الانقلابات/الفاشية/الاستبداد هي اعلان لموت السياسة و"المقاومة المواطنية" تحييها وتجذر عناوين الصراع من داخل ما تحتمله السياسة..
المشهد نفسه والحضور أنفسهم من الذين خرجوا للاحتفال بإسقاط نبيل القروي في الدور الثاني من الرئاسية هو المشهد نفسه والحضور أنفسهم (مع بعض الاستثناءات) لمن خرجوا يطالبون بإسقاط الانقلاب.. في مفارقة تنزع عن الرئيس ما يعتبره في خطاباته "مشروعية أعلى من الشرعية"..
رسائل/ شعارات 26 سبتمبر كانت امتدادا لرئاسل وشعارات 18 سبتمبر: جمل سياسية محملة بالمعاني التي تحيل إلى قطيعة مع منظومة 24 جويلية باعتبارها "تفريطية" ورفضا كليا لما نتج عن 25 جويلية باعتباره انقلابا من ما قبل التاريخ..
محاولات المنع والتضييقات التي تعرض لها من أرادوا المشاركة بوجوه مكشوفة وصدور عارية في قول "لا" بصوت عال في وجه الانقلاب هي مبرر كاف لحشد وتعبئة الرأي العام ضد هذا الانقلاب باعتباره احتقارا للعقل السياسي وقفزا الى ما وراء التاريخ ومحاولة للانفراد بالحاضر والمستقبل..
المشاركون في 26 سبتمبر لم يضيعوا البوصلة ولم يسقطوا في مطالب البيروقراطيات الحزبية والمدنية، بل مثلت قطيعة جذرية على قاعدة "لسنا مجبرين على اختيار بين ديمقراطية فاسدة وبين انقلاب غاشم".. لم يطلبوا خارطة طريق، بل طالبوا بفرض خارطة طريق الشعب عبر الوسائل الديمقراطية والحضارية لإدارة الاختلاف دون اقصاء وإدعاء الربوبية..
كان هناك مكان كبير ليتسع للجميع يوم 26 سبتمبر لم يتخلف عنه سوى المتقاطعون مع الانقلاب والعائدون من عنده بخفي حنين ومن لا يختلفون عنه في الرؤى والأجندات بقدر غضبهم من تنكره لهم ولمجهوداتهم.. تغيب عن الحضور أيضا حزب العمال لموقف واضح وغير مخاتل مثل البقية..
رجم وشيطنة الآلاف على خلفية اصداحهم بموقف واضح وبوجوه مكشوفة هو صنيع دفع أصحابه أثمانا باهضة قبل الثورة وبعدها وهو ممارسة ترذل أصحابها ولا تستنقص من همة الأحرار شيئا..
محاولات تحويل حدث 26 سبتمبر نحو مسارات "بهائمية" تكرّر نفس الأخطاء ولا ترضي سوى غرور بعض الزعامات المنتهية هو خدمة للانقلاب وإهانة لعقول آلاف تداعوا من أجل عنوان واضح يجمعهم لا من أجل حسابات بائسة غدرت بهم سابقا ويخفي أصحابها الخنجر مجددا لطعنهم..
كما كان 26 سبتمبر استنهاضا لوقفة 18 سبتمبر.. سيكون لهذه الخطوات ما بعدها حتما.. فقط لأن الوطن يستحق ولأن الانقلاب ليس فقط خارج التاريخ وبل وقد أخطأ الجغرافيا أيضا في أرض يحتسي أهلها حرية..
مواجهة الانقلاب بوجوه مكشوفة موقف شجاع يشكر عليه كل التونسيين الذين لا يترددون في الحضور والمشاركة بوسائل ومن مواقع مختلفة... وتشكر عليه كل الحساسيات التي تناست معاركها الثانوية أمام معركة الحفاظ على سقف يحمي الجميع.. شكرا لكم جميعا، لقد أثبتم أن هناك شعبا حيا لا يخرسه الخوف ولا يتخلى عن معاركه الأساسية "بمقابل"..
أولائك الذين اجتهدوا في "الجمباز اللغوي" ليبرروا لأنفسهم التخلف مجددا عن معركة لحساب التاريخ لا لحساب السياسة.. تفضلوا.. هذا الشعب قد فتح الأبواب التي أوصدها الانقلاب وأرونا ما أنتم فاعلون بعيدا عن ديباجات التبرير وبيانات الاستهلاك الاعلامي.. ثم سنراكم عندما تتكلمون..