لا أجد توصيفا آخر لما يسمّى مشروع قانون "زجر" الاعتداء على الأمنيين الذي يتم تداوله تحت قبة البرلمان:
- أوّلا : ما حدث لمن مارسوا حقّهم "المدستر" في الإحتجاج والرفض أمام مجلس النواب دليل على أنّ بعض "البوليس" يتمتّعون بـ"حصانة المهنة والزي" لسلب المواطنين حرياتهم والاعتداء بدون وجه حق عليهم في خرق واضح/فاضح للقانون... مزيدا من "الحصانة" لهؤلاء يعني مزيدا من القمع ومن الدوس على ما ورد في الدستور وتم تقنينه من مكتسبات للمواطنين بفضل دماء الشهداء.
- ثانيا : المشرّع التونسي قنّن بوضوح العلاقة بين "المواطن" و"الموظّف العمومي" أيّ إمتياز لأحدهما على الثاني يعني ضرورة وضعه "تحت رحمته"…
- ثالثا : قانون مكافحة الارهاب بصيغته الحالية يحمي القوات الحاملة للسلاح في علاقة بالملفات الارهابية، أمّا بقيّة الاعتداءات التي يمكن أن تطال الأمنيين فهي مدرجة تحت تهمة "الاعتداء على موظف عمومي أثناء القيام بمهمّته" وهي بصيغتها الحالية عصى غليظة في يد الأمنيين وغير الأمنيين لإتيان أبشع الممارسات وتلفيق أبشع التهم في الكثير من الأحيان.
في المحصلة:
- الوقائع تؤكّد حاجة المواطنين لقوانين أكثر صرامة تحميهم من اعتداءات الأمنيين...
- لا يوجد مبرّر قانوني لتمرير قانون "حريّة تغفيس المواطن"…
===> المبرّر الوحيد هو مبرّر قمعي/تعسّفي/انتقامي من المواطن.
المشاهد القادمة من أمام مجلس النواب بباردو تلخّص بوضوح ما تريده "النقابات البوليسيّة" ومن يدعمون قانون "عفّس المواطن"..
- وقفة احتجاجية مناهضة للقانون تجابه بالضرب والاعتداءات الأمنيّة.. إمتحان صغير جدّا لطبيعة ومخيال وردّة فعل "البوليس" يؤكّد أنه مازال بعيدا عن "الأمن الجمهوري" وعن "تنفيذ القانون"…
في العلوم هناك دائما تجربة بسيطة تسمّى "expérience témoin" يحدّد من خلالها كل ما يجب أخذه بعين الاعتبار وخلال المراحل القادمة.. ما حدث هو بالضبط "expérience témoin" يؤكّد أن "الارهاب التشريعي" المعروض لنقاش البرلمان ليس سوى سلاحا آخر في يد أعوان لا يتورّعون في الدوس على القانون نفسه الذي يتقاضون أجرا لتطبيقه… والضحيّة دائما "مواطنون" لا يفكّر أحد في حمايتهم بعد…
- في الوضع العادي إذا لم تكن هناك اعتداءات مسجلة على مواطنين، وهذه ليست حالة تونس، يجب أن يقدّم علماء النفس قراءاتهم لسلوكيات "البوليس" بشكل واضح ليتبيّن للمشرّع خطورة ما قد تنتهي إليه مثل هذه التشريعات الملغّمة، أمّا في الحالة التونسيّة فيكفي أن يلتفت المشرّع حوله ليرى ذلك ماثلا أمامه…
- هناك أعوان أمن محترمون في كلّ الأجهزة يدفعون ضريبة إنهيار صورة المؤسسة الأمنية لدى الرأي العام، هؤلاء يحتاجون ليغيّروا داخل مؤسساتهم قبل أن يبرّروا مثل هذه القوانين…