المثقف الزائف

Photo

احتدم الجدل في فرنسا حول الكاتب الجزائري كمال داود، ولم يهدأ حتى بعد أن أعلن اعتزاله الصحافة. فريق يدافع عنه بشراسة ويرى في معارضيه مثقفين فاشيين يحاولون إخراس صوت كاتب حرّ عرف بمواقفه الجريئة، وهو فريق وسع المفكرين والإعلاميين وحتى السياسيين، وفريق يندّد بما يكتبه الرجل لأنه يتمثل النظرة الأبوية الاستعمارية، التي تميز بين مجتمع غربي محكوم بقيم، ومجتمع عربي إسلامي مكبوت، ويغذي بالتالي كراهية الغرب للجاليات المسلمة لا سيما بعد أعمال العنف الأخيرة.

نشب الجدل يوم أعاد داود نشر مقالة بجريدة “لوموند” كان نشرها بجريدة “ريبوبليكا” الإيطالية عن الأحداث التي جدت ليلة رأس السنة الميلادية بكولونيا، ووجّه فيها اتهامه دون دليل إلى الوافدين العرب، ووصف الغرب بـالسذاجة، لكونه يتجاهل الفجوة الثقافية التي تفصله عن العالم العربي الإسلامي، ولا يفهم أن الآخر”جاء من عالم يعاني من البؤس الجنسي، وعلاقته المريضة بالمرأة”، وينصح هذا الغرب بتعليم المهاجر قيمه قبل أن يمنحه تأشيرة دخول.

ومن الطبيعي أن يستفز هذا الكلام حتى أصدقاء الكاتب أنفسهم. فقد بعث إليه الصحافي الأميركي آدم شاتز برسالة يقول فيها “من الصعب جدا أن أصدّق ما كتبتَ. ليس هذا كمال داود الذي أعرفه”. ولكن أنصاره، وأغلبهم من اليهود، دافعوا عنه دفاعا مستميتا. ولا يهمّ في سبيل ذلك أن يلووا عنق الحقيقة، فالفتوى التي صدرت ضده، والتي ترد على لسان كل من يلصق به بطولة مزعومة، هي مجرد تدوينة على الفيسبوك نال عنها صاحبها ثلاثة أشهر سجنا.

أما اعتزاله الصحافة فلن يكون الخاسر فيه سوى قراء مجلة “لوبوان” التي جعلت من قلمه سلاحا تناوئ به العرب والمسلمين لتكون في حِلّ من المساءلة القانونية. فالرجل لا يخفي كرهه لكل ما يمت إلينا بصلة. فهو يكره العربية لأن “المقدس فخّخها”، ليبرر إيثاره الفرنسية، لغة الحرية في رأيه. ويكره العرب فلا يذكرهم إلا بين معقّفين أو بعبارة “أولئك الذين يقال لهم عربا”. ويرفض التضامن مع الفلسطينيين كما كتب في أوج العدوان الإسرائيلي على غزة. وينكر أن يكون الاستعمار الفرنسي شرّا كله رغم المجازر التي ارتكبها ضد بني قومه. بل إنه صرّح مرة لقناة فرنسية أنه لم يشعر يوما بأنه عربيّ.

وغنيّ عن القول إن كاتبا تتهاطل عليه الجوائز بوصفه روائيا حينا، وصحافيا حينا آخر، ما كان ليصبح نجما عن رواية يتيمة لم تفز بغونكور لو لم يرهن قلمه لمن يناصبوننا العداء، لكي يثبّتوا الصورة التي رسموها لنا.


أبو بكر العيادي: كاتب من تونس مقيم بباريس

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات