الحرب على الفساد جبهتنا (1) الثانية مع الحرب على الإرهاب

Photo

اكتسبت قضية الفساد2 أهمية متجدّدة في كل الدّول تقريبا، لما لها من تأثيرات على الحياة السياسيّة والاقتصاديّة وكذلك على القيم والديمقراطيّة. ولئن أعلنت هذه الدول بما في ذلك تونس الحرب علي الفساد، فإن المواجهة في الواقع ليست سهلة بل شرسة ومُكلفة و لا تقل خطورتها عن مكافحة الارهاب ذاته.

وكما هو معروف، فالظاهرة لدينا ليست وليدة هذه المرحلة ولكنها تفاقمت بحكم الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الاستثنائيّة التي نعيشها، وطبيعي بعد "أحداث تطاوين" وتأكّد محاولة توظيفها، أن نعيد النظر في استراتيجيّة المواجهة وفق منظور يبرز أنّ الدولة قائمة وليست منهارة .

وحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لمؤشرات مُدرَكات الفساد لسنة 2016، فان ستّا من عشر دول الأكثر فسادا في العالم توجد في المنطقة العربية وهي سوريا والعراق والصومال والسّودان واليمن وليبيا. واستنادا لنفس المصدر تأتي تونس في الكوكبة الوسطى في المرتبة 75 وبمؤشر 41 (المتوسط العالمي 43 نقطة) بالرغم من اتخاذ إجراءات في هذا المجال3 .

ومن الناحية التحليليّة، تشير الدراسات أنّ الظاهرة شهدت تطورا خطيرا منذ التّسعينات لاندماجها مع العنف بشكل عام وتطوّرها على المستوى الاقليمي والدولي، و وفقا لذلك وصفت بـ "التجريم السياسي Criminalisation du politique" الذي بإمكانه التّشكل كتنظيم "مفيوزي Mafieux" يتقارب فيه رجال في السلطة مع متاجرين فاسدين لهم صلة بالتهريب في مجالات الأسلحة والمخدرات وغيرها. وتتوطّد العلاقة في هذا التنظيم بالتقاء المصالح بينهم من حيث "التغطية والتّسهيلات مقابل الإستفادة من موارد وعائدات مالية للأفراد وبعض التنظيمات"، وهكذا نرى أن الفساد أصبح له وظائف سياسية واجتماعية لا يمكن تجاهلها، و انّه وإن بدا هذا المشهد عاما على المستوى الدولي فانه قريب جدا من واقعنا.

وخلافا لبعض الأفكار السائدة فالمجابهة الجارية وإن تبدو "متكتّمة" لمقتضيات أمنية ظرفية فهي بالضرورة "مشتركة" من حيث التآزر والتكامل بين جميع السّلطات في مفاصل الدولة و داخل المجتمع أفرادا وهيئآت.

ولكل متربّص بتونس أن يعلم أن هذا البلد مهما اشتدّت أزماته منيع بنظام مؤسّساتي يقوم – رغم الارباك- على ثلاث نقاط قويّة كبرى:


- وعي المجتمع بأهمّية مكتسبات البلاد وقابلية تحوّله الى قوّة ضدّ أيّ تنازلات

- دعم القوى الصّناعية لدفع التّنمية وانهزام الأنموذج الشّعبوي في هذا القطاع

- جاهزية المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة لأداء واجبهما في حماية الدّولة وصون سيادتها.

فالحرب على الفساد هي في نهاية المطاف شاملة و متكاملة تحتاج الى قرارات جريئة أخرى لعل أبرزها تعزيز الملاحقة الجزائية، اشاعة ثقافة النزاهة، ملائمة القوانين و تفعيل المساءلة.

علينا أن نحيّي اختيار رئيس الحكومة وشجاعة رجال الحرس الوطني على الميدان فحب الوطن أفعال وليست أقوالا.


العقيد محسن بن عيسى متقاعد من سلك الحرس الوطني، باحث مسجّل بمخبر "ديسولاد" جامعة روان (دكتوراه جارية)، متحصّل على الماجستير في العلوم السّياسية اختصاص" أمن داخلي" جامعة صوفيا أنتيبوليس " نيس" ، متخرّج من مدرسة الضباط للجندرمة الفرنسيّة، له تخصّص في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب من مركز التّدريب الأمني بـ "كاليفورنيا" الولايات المتحدة الأمريكية، وتكوين المكوّنين من المعهد الوطني للتّكوين الأمني بـ "كلارمون فيران" فرنسا.
تحمّل عديد المسؤوليات القياديّة على المستوى الجهوي والمركزي بسلك الحرس الوطني قبل أن يُلحق كمدير مركزي بوزراة الداخلية. صدرت له مؤلفات في الأمن والتّنمية والسّلامة المرورية، وله إسهامات في البحوث والدراسات لدى مؤسسات أمنية عربية، نشرت له مقالات في مجلة "أصداء" للأمانة العامة لوزراء الداخلية العرب و مجلة "ترافل" للجندرمة الفرنسية.

1-يقصد بالجبهة هنا "خطوط المواجهة"، وليس تمثيلا لفئات معينّة من الشعب أو تجمّعا لقوى سياسية لهدف من الأهداف.

2-الفساد فقهيا هو البطلان، ويعرّفه البعض بأنه إستغلال للسلطة العامة لأهداف غير مشروعة او تحقيق مكاسب شخصية، ويتجلّى ذلك في عدة أوجه أبرزها الرشوة، الابتزاز، المحسوبية والاختلاس وممارسة النفوذ والاحتيال.
وبحسب البنك الدولي فهو سوء استغلال السلطة العامة من اجل الحصول على مكاسب شخصية.

3-أهمّها إحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمقتضى المرسوم الاطار عدد 120 لسنة 2011.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات