عندما نقرأ أو نسمع أخبارا عن عمل الحكومة و قراراتها، تتبادر إلى الذهن عديد التساؤلات حول التحدّيات غير المسبوقة التي تواجهها بلادنا و الحلول الكفيلة بتجاوزها.
فالمسألة ليست سهلة فيما يبدو، والمتمرّسون بدواليب الحكم - وليس المتطفّلين عليها - يرون أن اتّخاذ القرار على هذا المستوى هو لبّ العملية السياسية ونتاج تفاعلاتها، وهذا من الخطورة بمكان لتأثيره المباشر على المواطنين.
وفي هذا السياق وحتى تكون سياستنا فاعلة وليست منفعلة، سياسة مبادرات لا استجابات لها خطط عمل بما في ذلك خطة مواجهة الأزمات، ومعالجة حالة الخوف والتردّد الذي استشرت لدى المتعاطين مع الشأن العام و التي كادت أن توقف البلاد، اسمحوا لي أن أبدي الملاحظات التالية:
- الدولة اليوم في حاجة ماسّة لدفع العمل على كل المستويات وطرح رؤى جديدة، ولكن السياسة ليست مجرّد أفكار، بل هي خطط من المفروض أن تكون لها صدى في الواقع الصعب الذي تواجهه البلاد. وإذا اعتبرنا السياسة فن الممكن1 في تقييمنا للخطط السابقة والتشكيلات الحكومية المتتالية، وإذا كان علم السياسة يستند للنقد المنهجي الدائم للمسلّمات والأحوال والأنظمة السّياسية، فإنه يتعيّن على الناشطين في القطاع أن ينتبهوا لهذه المبادئ (التي ربما يجهلها البعض) ، فليس من المعقول أن نجعل من الانتقاد "نقدا" ومن الوقاحة "صراحة" ومن التجريح "حرية تعبير".
فنحن ببساطة أمام مشروع استنهاض وطني وليس حزبي يقبل تقييم الأوضاع بروح نقدية بناءة ولا يتحمّل التوظيف والتأويل وآراء خبراء مزعومين.
- لا يمكن بعد سبع سنوات من المعاناة لدفع مسيرة التنمية وتعزيز الأمن أن يواصل بعض السياسيين الوقوف على خط تصيّد الأخطاء ومحاولة إفشال أي مسار يوحي بالاستقرار والنّجاح. لم يدخل في حسبان الناخب يوما أنّه سيعيش هذا الانفلات السياسي والاتّهامات المتبادلة والابتزاز لخدمة أجندات حزبيّة ضيّقة والبحث عن نجوميّة غابرة.
لقد اختلطت الأدوار وبرزت وجوه مغامرة وتراجعت المصلحة العامة أمام ايديولوجيا "السياسوين" المتهافتين على السلطة والمغازلين "للوبّيات" المال والإعلام.
- ما يهم المواطن ليس استطلاعات الرأي التي تعكس وجهات النظر المعبّر عنها، بقدر ما يعنيه ما تقدمه الدولة من حلول للأخذ بيده دون توظيف متزايد لبعض النجاحات أو مناورة لإخفاء بعض الاخفاقات.
- هناك انهيار للقيم المؤطّرة للممارسة السياسية والحزبية، ومن ذلك الجرأة على الإساءة إلى الدولة و مؤسّساتها عبر وسائل إعلام خارج البلاد أو التنسيق مع هيئات أجنبية خارج المسار الرسمي بحثا عن دعم أو تموقع مشبوه… فالشخصيات الوطنية ذات الهمّة العالية تستنكف من هذا الفعل لإحترامهم " مقتضيات الأمن الوطني" و "موجبات التحفّظ" كقاعدة سياسية قبل أن تكون قانونية.
- هناك انفلات حقيقي في الكلام ليس فقط في وسائل الاعلام بل و أيضا في الخطاب السياسي، هناك كلام كالصمت، لأنّه إجترار لمادة أو مضامين منفرّة لدرجة أن أصبح المضمون فيها لا قيمة له وانقلبت إلى مجرّد تلميع لصور شخصيّات معيّنة، فأكثر السياسيين حديثا هم أقلّهم تأثيرا وقدرة على صنع القرار. وقد علّمتنا التجارب أن كثرة الأرقام والإحصائيات تخفي الرقم الصحيح والمعادلة المطلوبة، وينسحب هذا على الثرثرة السياسية.
لقد كان صيفنا ساخنا بارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات، وليس طبيعي أن يجد المواطن نفسه من جديد تحت نيران السياسة و في خضم الحسابات السياسية (الأوقاف مقابل الميراث) بما يعمّق الانقسام ويربك المشهد السياسي ويجعل البلاد محلّ انتقادات كثيرة، والحال أننا نحتاج إلى بناء قوّة داخلية وتحقيق تماسك اجتماعي وتحويل الجدل القائم وعكاظيات المدح والقدح إلى عمل على جميع المستويات.
العقيد محسن بن عيسى:متقاعد من سلك الحرس الوطني
1 السياسة باعتبارها فن الممكن هي أحد الحلول الممكنة لقضايا الأمن والتنمية تقوم على إمكانية التعايش وسط حقائق متنوعة، وإمكانية الحكم وسط الصراع الصريح والضمني بين مختلف المصالح المتنافسة.