تونس و النظام المالي الأوروبي

Photo

لقد عمدت الهيئات الأوروبية تصنيف تونس ضمن القوائم السوداء وتناست أن حوالي 50 دولة حول العالم يمكن تصنيفها كملاذات ضريبية، جانب هام منها في أوروبا. ولا أظن أنّ هذا القرار بحاجة إلى مزيد شرح باستثناء أنّ هذه القوائم هي مُجرّد ابتزاز لرفض تونس الخضوعَ لطلبات قديمة جديدة تتعلّق بتقديم امتيازات واعفاءات جبائية للأجانب والأوروبيين.

لقد بيّنت ردود الفعل الرسمية حول هذه القوائم مدى الالتزام والحذر في التعامل مع هذه القضية لانعكاساتها على الاقتصاد التونسي وارتباطها بمصالح البلدان الأوروبية. ذكّرني هذا الموقف بالهيمنة التي خضعت إليها البلاد سابقا على المستوى السياسي والمالي .

وكأن أوروبا التي أعطت صورة مشوّهة عن تونس وجعلت من نفسها حكما في هذه المسألة، تنتهج السياسة التي عرفتها البلاد قبل الحماية و التي لا يمكن بأي حال أن تتكرّر. فالنظام المالي الأوروبي هو الذي كان وراء تثبيت الاستعمار تدريجيا لدينا.

هكذا ذكّرتنا المراجع الفرنسية الصادرة سنة 1898 بدور مصطفى خزندار كمهندس مراحل إفلاس تونس من 1837 إلى 1873 (خزندار باللغة التركية أمين مال) ، وبحاجة البلاد إلى شيء من العدل والتنظيم، وبيّنت كيف كان تقدير الحماية الفرنسية في الاكتفاء بميزانية ضعيفة مستمدّة من شطب خدمات الدَّيْن و التي كانت في حدود 17 أو 18 مليون للنهوض بالبلاد. واعتبرت هذه المراجع أنّ تدخّل أوروبا في تونس بعد عجز الدولة عن معالجة أزمتها المالية بتنصيب اللجنة العالمية " الكومسيون المالي" بين سنتي 1869 و 1870 هو إجراء أملاه ثقل الديون غير المُستخلصة لفائدة المُقرضين ( أنقلترا وفرنسا وإيطاليا ) وكانت في حدود 350 مليون.

وصمتت الأدبيات الغربية عن منطلق هذه الأزمة وعن أسباب رفع النفقات العمومية والتداين الداخلي سنوات 1859-1860 بسبب شراء أسلحة منعدمة الصلاحية من بلجيكيا واستبدالها ببنادق فرنسية بأبهظ الأثمان، مع تشييد إقامات فاخرة لقنصلي فرنسا وبريطانيا وهي نفقات لم تتّجه لتخفيف العبء على السكان.

وتناست الأدبيات الغربية كلّيا القرض الذي تحصّلت عليه تونس سنة 1863 عن طريق "إيميل إيرلانجي" والذي أدّى إلى استعمار تونس بعد 18 سنة. هذا القرض الذي كان مجرّد عمليّة احتيال، بحسب تقرير "فيكتور فيلي" المراقب المالي الفرنسي، والذي نشر سنة 1872-1873.

علينا الانتباه فأوروبا لها غايات معلومة، أبرزها تشجيع السلطات على الاستجابة للتقدم في مشروع الامتيازات السابق ذكرها.

وفي ضوء ذلك، أصبح من الضروري أن نعمل على فتح مسارات جديدة نحو مجموعات دولية أخرى، مثل مجموعة "بريكس BRICS"، (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، والتي تتمتّع بأسرع نمو إقتصادي عالمي، ولها عمق استراتيجي ( أكثر من ربع مساحة العالم) وثقل ديموغرافي (أكثر من 40 % من تعداد سكان العالم) مع ناتج محلي للمجموعة (يبلغ ربع الناتج المحلي العالمي). وتتميز استراتيجية هذه الدول بالعمل على خلق توازن دولي، وإنهاء الهيمنة والإبتزاز مهما كان مصدرهما، وإيجاد بديل فعّال لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ولعله من الضروري أيضا التقدم عبر الدبلوماسية التونسية في طرح مشروع النظام المالي العربي، ومن ذلك تجسيم فكرتي الإتحاد النقدي، والسوق المشتركة.


العقيد محسن بن عيسى :متقاعد من سلك الحرس الوطني

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات