الحوار جوهر العمل السياسي

Photo

إنّ أفضع مصير يمكن معرفته في العالم الراهن، هو مصير من لا وطن له، فالشخص بدون عائلة، وبدون سكن أو مقرّ وبدون انتماء ديني يمكن أن يعيش حياة صعبة، أما العيش بدون انتماء إلى دولة ودون إسهام في مسيرتها وبنائها هو عودة الى الحالة البدائية حيث تنعدم الحقوق والواجبات وينعدم الأمن والعمل، ولا خلاص خارج إطار دولة منظّمة.

والدولة وبصورة أساسية توجد في قلب وروح وعقل مواطنيها، فقد قبلت المجتمعات وعلى مرّ التاريخ وبمبرّرات لازالت سارية مبدأ التّضحية بجزء من حرّيتهم من أجل إقامة كيان يجمعهم ويؤمّن لهم النظام والاستقرار. وتأسّس هذا الكيان تدريجيا كواقع قانوني وسياسي واجتماعي وانتظمت فيه علاقة السّلطة بالشعب وفقا لنظرية "العقد الاجتماعي1 ، وفي هذا السياق تمّ تكريس مفاهيم الحقوق وإذكاء روح الولاء لها.

كلّ الانجازات التي عرفتها الأوطان في العالم هي في الواقع نتائج مادّية وانجازات عمليّة تجسّد أفكارا جاء بها رجال عظماء، أناروا الفكر وشكّلوا بحق روح تاريخ العالم والبشرية. وأنجبت تونس من هذه الطينة الطيّبة نخبة كانوا شهداءَ وأبطالَ بناء ورجالا عمّروا البلاد وأثّثوها حضارة وعلمًا.

لذلك نحمل كلنا أمانة ومسؤولية صناعةَ غد أفضل لبلدنا، ودون شك فالانخراط في "الشأن العام" يشكل وجها من أوجه حمل هذه الأمانة و فرصة لترجمة هذا الإرث الى واقع في حياتنا و إلى رسالة نحملها على الأعناق إلى الأجيال القادمة.

ومهما كانت الانتماءات واختلاف الاديولوجيات فمن المسلّمات أن التنافس و الإختلاف يمثل جوهر عمل الأحزاب، والسؤال الذي يتبادر إلى الذّهن، كيف نجمع هذا الطيف السياسي على مبدأ " العيش المشترك و الحوار" ؟

وإذا كان لنا خيار فعلينا ان نمدّ جسور التواصل بين الايدولوجيا والسياسة2

لقد رُفعت أصوات رفض من هذا القبيل سابقا و تشهد الساحة حاليا "لاءات" سياسية أخرى، وبصرف النظر عن كل المواقف، فالسياسة هي تكريس حد أدنى من النظام وقدرا معقولا من توازن القوى على حد سواء، و لكونها صراع فهي تستهدف الاستقرار وتكريس شرعية ما هو قائم والسير نحو التهدئة والتكامل.

و إذا كانت السياسة إدارة وتدبير المجتمع لصالح ما، فإننا نطمح لأن تدير التعاون والصراع بين الأفراد والأحزاب وتعزيز العيش المشترك لدينا، وعلى هذا المعنى يصبح العمل السياسي " فن تحقيق الممكن والمتاح " وكذلك " فن العيش المشترك الموسوم بالصراع".

صحيح أن كل تغيير على المستوى الدستوري يتطلب مرحلة جديدة، والمرحلة الرّاهنة أعتقد تقتضي إحلال تصوّر معيّن للمثالية السياسية بعيدا عن " الشعارات الزائفة" و " الخطب الشعبوية ".

يراد لنا الانغلاق حول الصراع على السلطة وتنظيم الاختلاف و لكننا نريد استحضار جوهر العمل السياسي والجهد المنظّم لتحقيق مفهوم العدالة وإقامة النظام وتغليب الصالح العام.


1 ظهرت مجموعة من النظريات تفسّر نشأة الدولة أبرزها: النظريّة الالهية، النظرية الطبيعية، نظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها المفكرون : توماس هوبز وجان لوك وجان جاك روسو .

2 في القرآن الكريم جاء الحوار بمعنى المجادلة بالتي هي أحسن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات