مسألة "جماعة فرنسا"

Photo

اتفاقيات "الاستقلال الداخلي" الفرنسية التونسية (3 جوان 1955) لا تختلف كثيرا عن اتفاقيات ايفيان (18 مارس 1962) التي مهدت لاستقلال الجزائر، ولا سيما فيما يتعلق بالحفاظ على مصالح فرنسا الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية العسكرية و"حقوق" الفرنسيين...

الدليل الأبرز على ذلك بقاء قاعدة بنزرت العسكرية فرنسية سبع سنوات بعد استقلال تونس (إلى غاية 15 أكتوبر 1963 ) أي تقريبا نفس المدة التي حافظت فيها فرنسا على المرسى الكبير أكبر قاعدة عسكرية بحرية لها في الجزائر بعد استقلالها (الاتفاقيات تنص على بقائها 15 سنة قابلة للتجديد) بل يضاف إلى ذلك ما أجرته فرنسا من تجارب نووية في الصحراء الجزائرية (والجزائر مستقلة).,.

وكما تجاوزت تونس اتفاقيات 1955 وملحقاتها قانونيا وديبلوماسيا وبحكم الأمر الواقع في أغلب بنودها وأفرغتها من محتواها في غضون سنوات قليلة من توقيعها بعد أن كانت السبب الأبرز في الصراع البورقيي اليوسفي الذي كان ضاغطا للتعجيل في "الاستقلال التام"، تجاوزت الجزائر اتفاقيات ايفيان المثيرة للجدل وللخلاف بين القادة الجزائريين أنفسهم...

لكل ذلك من الظلم الفادح تخوين الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة ورفاقه وتشويه نضالاتهم التي لا شك فيها من أجل استرجاع السيادة الوطنية فقد أنجزوا ما كان ممكنا حينها...أما مسألة "جماعة فرنسا" هنا وهناك فهي معضلة حقيقية أعمق وأعوص وما زلنا نعاني منها إلى اليوم ولا علاقة مباشرة لها بتلك الاتفاقيات المعروفة والمنشورة رسميا التي تم تجاوزها ولا بأي "وثائق سرية" أو "ثروات باطنية" تونسية محتكرة فرنسيا باستثناء شركة الملح والملاحات التي بقيت تستند إلى اتفاق استعماري (سنة 1949) تم التخاذل مع الأسف مرات عديدة طيلة سبعين عاما في مراجعته أو إلغائه ... ويكفي أن نذكر مثلا الشركة الإيطالية Eni التي عقدت اتفاقا هاما مع الدولة التونسية (50 بالمائة 50 بالمائة) سنة 1960 في مجال التنقيب عن النفط واستغلاله وتسويقه .

والآن من الضروري الاهتمام والانشغال أكثر بالعقود واللزمات الجديدة شبه الاستعمارية لشركات وبنوك و"مكاتب خبرات" وفضاءات تجارية كبرى وجامعات فرنسية عديدة بصدد إعادة الهيمنة تدريجيا على تونس في شتى القطاعات…

"جماعة فرنسا"عندنا لا يطلقون بطبيعة الحال إزاء هذه الهيمنة المتصاعدة لا صيحة فزع ولا حتى همسة تحذير وإنما يعمدون إلى التغطية عليها وصرف الأنظار والأسماع عنها بالصراخ الصاعق ضد تدخلات واستثمارات وسلع دول أجنبية أخرى ينبغي التعامل معها طبعا بنفس الحذر والندّية وفق مبادئ الاستقلال والسيادة الوطنية…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات