لماذا حافظ تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة على "مؤسسة نفقة الزوجة"؟

Photo

مع إيجابياته التأليفية والاجتهادية العديدة التي جمعت مطالب حقوقية تقدمية متراكمة منذ عقود في المجتمع المدني التونسي مثل إلغاء عقوبة الإعدام والمساواة في الميراث، لفت انتباهي سلبيا في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة محافظته على "مؤسسة نفقة الزوجة" على حساب مبدأ المساواة بين الجنسين الذي يمثل ركنا أساسيا في التقرير وأهم غاياته، وذلك بالرغم من مقترح إلغاء رئاسة العائلة (جاء بالفقرة الرابعة من الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية أنه "على الزوج بصفته رئيس العائلة ان ينفق على الزوجة...(".

ولعل المفارقة الأكبر أن تطور الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة التونسية كما أكده التقرير في بعض النقاط وجعله حجة وتعليلا للإصلاحات التشريعية الجديدة والمطلوبة مثل المساواة في الميراث وفي رئاسة العائلة، غاب فجأة أو تراجع وتعطلت المساواة من دور مبرر مقنع عندما تعلق الأمر بإحدى أهم إشكاليات المشهد الأسري في تونس سواء في أثناء الزواج أو عند الطلاق وبعده، واكتفى التقرير بالقول إن "في النفقة وجهان أحدهما حمائي يتعين الإبقاء عليه والثاني سلبي ينبغي مراجعته. فالنفقة حق للزوجة لا يمكن التخلي عنه طالما لم تتحقق لها المساواة التامة في فرص الشغل المسألة هي في التمكين الاقتصادي للمرأة الذي لم يبلغ بعد مرحلة المساواة التامة بهذا المعنى تبقى الزوجة التي لا عمل لها، إما لعدم توفره أو اختيارا منها للتفرغ لشؤون أسرتها، في حاجة إلى النفقة إلى حين بلوغ تمكينها المستوى الذي يمكن فيه القول بتوفر شروط الاستقلال المادي التام لها. ". (ص 159 من التقرير... )

ورغم إشارة التقرير إلى استعمال النفقة لتبرير عدم المساواة في الإرث فإنه لم يذهب بالمقترح لتطوير مؤسسة نفقة الزوجة إلى منتهاه المنطقي، و هو إلغاؤها، من أجل ترسيخ مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الجنسين.

والجدير بالنقد هو تغييب مقدمة التقرير للأرقام والنسب المئوية المتعلقة باشتغال المرأة التونسية حسب القطاعات المهنية حيث يبرز تفوقها الواضح خلال السنوات الأخيرة على الرجل في عدة قطاعات ذات تشغيلية عالية مثل التعليم والصحة والصناعات المعملية، ولا يبدو لي أن هذا "التعتيم" كان سهوا، كما لم تقنعني الإجابة، التي قدمها لي بالأمس أحد أعضاء اللجنة على هامش ندوة بيت الحكمة في قرطاج، بأن تلك الأرقام موجودة في ملحق للتقرير (غيرمنشور).

في المقابل يمكن للإقرار بالمساواة التامة بين الزوجين في الإنفاق أن يسهم في تطوير ما اعتبره التقرير نقصا في التمكين الاقتصادي للمرأة يبرر الإبقاء على "مؤسسة نفقة الزوجة"، كما يمكن أن ينهي عقلية متخلفة لدى بعض النساء عندنا باعتبار الزوج مجرد صندوق ضمان اجتماعي وكأن المرأة "داخلة في الربح خارجة من الخسارة"، وهو ما جعل العديد من الرجال التونسيين يشعرون بالتمييز السلبي وبالغبن القانوني والقضائي،

وربما تدفع هذه المساواة القانونية في الإنفاق إلى تطوير نسب اشتغال النساء وحث المرأة "المتقاعسة" عن العمل على ضمان استقلاليتها المادية عن الرجل، على غرار ما تم عند إصدار مجلة الأحوال الشخصية التي يقال إنها استبقت الواقع قانونيا ودفعته اجتماعيا نحو التطور، كما قد تقلص لدى بعض النساء والرجال حسابات مادية ضيقة على حساب العواطف و "مصلحة الطفل الفضلى" تحوم حول الطلاق والإنفاق.

وهذا نص الفصل 38 (جديد) المقترح من التقرير بالنسبة إلى مجلة الأحوال الشخصية: "يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدة عدتها إلا إذا كان لها دخل يغنيها الحاجة إلى النفقة." حيث يلاحظ أيضا المحافظة على عبارات مثل " زوجته المدخول بها" التي تنتمي إلى القاموس الفقهي القديم لمجلة الأحوال الشخصية و لا تراعي المساواة التامة بين الجنسين كما يسعى إليها التقرير.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات