اذا عاد العسف غدا وهو أمر محتمل عندي فسيعود كثيرون ممن صاروا اليوم يمتلكون الحقيقة .. اذ هم وطنيون اكثر من بقية خلق الله ، مرة أخرى إلى جحورهم في انتظار ثورة أخرى يصنعها من لم يكن لهم يوما يد في جرائم الكبار ولا نصيب في موائد المقتسمين للحم البقرة التي أكلها السكين ..
أما الذين كانوا يعارضون الفساد معارضة صادقة دون خوف ولا تزلف..والذين كانوا يعانون من الشقاء الفكري والنفسي ما لم يعرفه غيرهم فقد غابت وجوههم وأسماؤهم إلا قليلا. عجبا للحياة كيف تختار دائما أن تنتصر الجماعة الأنيقة الكاذبة التي تبرز بروزا لتركب على حدث لم يكن لها فيه أي دور..
عجبا ما كانت هذه الجماعة تجد ولو ذرة من الجرأة لتعبر عن آرائها لو استمر الطغيان..لأنها جماعات بلا رأي.ولا ذاكرة..ولو كانت لها ذاكرة لاستحت من التنكّر لأقوالها بمجرّد تغيّر الظّروف..ولو كان لها رأي لكان صامدا لا ينثني حين كان الصمود يرسل بفرسانه إلى المنافي أو السجون أو يعرضهم إلى بطش السلطان وقد طغى وتجبر .
كنا نود أن ننسى كل ما قالوه وما فعلوه لو ساعدونا على ذلك . كنا سنغفر لهم قليلا أو كثيرا تواطؤهم إذ كلنا أو جلّنا تورطنا على الأقل و بشكل أو بآخر في الصمت الآثم ..إن ما يجب أن نعي به هو أن هذه الوجوه التي تطلّ علينا اليوم لم تكن يوما صادقة..لقد كانت متواطئة مع الفساد يوم كان الفساد سائدا منتصرا..
ولن تنطلي حيلها علينا..لم يكن هؤلاء الأشخاص يوما جديرين بصفة المثقف او بمهنة الإعلام..لأنهم فرطوا في ضمائرهم و ما تفرضه من مصداقية و أصالة..ولأنهم باتوا يذكروننا اليوم بأمرين..أولهما النظام الاستبدادي الذي كانوا يدافعون عنه أو يغمضون عيونهم ضعيفة البصر عن ويلاته..وثانيهما النفاق الذي يلمع جليّا في وجوهم المزيفة ،
إذ ما إن انتصرت ثورة الشعب حتى ركبوا الموجة وسارعوا لأخذ نصيبهم من الغنيمة وحصتهم من الجثة الهامدة كالعقبان الجارحة تناديها رائحة الدم ويتحرك داخلها الجوع المتأصل فيها ..
إن المشهد السياسي و الثقافي والإعلامي التونسي يستحي من هؤلاء وأمثالهم. فكفى الثقافة و الإعلام ما عانياه من عسف طوال سنوات الجمر الذي احترق به من ساهموا ولو قليلا في إشعال نار الثورة.