بعض المفاتيح لقراءة البيان المشترك بين هيئة الحقيقة والكرامة والحكومة

Photo

أصدرت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وهيئة الحقيقية والكرامة اليوم الخميس 24 ماي 2018 بلاغا مشتركا لا شك انه سيثير جدلا على مستوى تأويل بنوده بل ان هذا الاختلاف في تاويل النص قد انطلق ولم تجف بعد حروف الاتفاق الذي لا شك انه لم يكتب على عجل بل وقع التمحيص في جميع بنودة من الطرفين الممضين للأسباب التي سنذكرها لاحقا ..

بالفعل انطلقت الاختلافات والتأويلات في ما يخص القراءة الممكنة للاتفاق :

فقد تدخّل وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان مهدي بن غربية، في برنامج على إذاعة موزاييك بعد وقت قليل من نشر البيان اليوم الخميس، للتعقيب على تصريحات عضو هيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي الذي أكد امضاء اتفاق مع الحكومة لم يحدّد آجالا لإنهاء أعمال الهيئة.

وشدد بن غربية على أن الاتفاق الذي تم توقيعه يذكر بالمقتضيات القانونية وبقرار مجلس نواب الشعب الذي ينص على أن هيئة الحقيقة والكرامة تنتهي أعمالها في 31 ماي 2018، وهو ما يبقى ساريا، كما أن ميزانية الهيئة تنتهي بهذا التاريخ، حسب تأكيده. وأوضح بن غربية وجود « إجراءات يجب أن تستكمل مع الهيئة على غرار إحالة الملفات إلى الأرشيف الوطني ومد الرئاسات الثلاث بالتقرير الختامي، وينتهي العمل مع انتهاء إجراءات التسليم والتسلم التي ستتم بتفاهم لحفاظ على المسار ».

وأضاف « الآجال مضبوطة بقرار المجلس.. والحكومة ستنسق لاستيفاء الإستتباعات القانونية » .كما أكد وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، أن الحكومة تريد لمسار العدالة الانتقالية أن يتواصل، وأن تحال الملفات على القضاء ويتم جبر الضرر للضحايا، وقال « أعمال الهيئة تنتهيما ييره من الملاحظات في 31 ماي والمسار لا يجب أن ينتهي.

بطبيعة الحال يهمنا الاطلاع على كل من قراءة هيئة الحقيقة والكرامة والوزارة للبيان المشترك اذ انه من غير المعقول الا نعطي للقراءتين ما سيتحقانه من النظر والتحليل ولكننا في هذه الورقة السريعة لن نتوقف عند قراءة هذا او ذاك سنحاول فقط النظر الى البيان و ما يستدعيه من ملاحظات أولية او استنتاجات تمهيدية لأي تحليل متوسع قادم.

1 الحكومة على الحياد بين الهيئة ومجلس نواب الشعب

قد يبدو الامر مستغربا بعض الشيء ولكن فلنتوقف لنقرا طالع البيان .وقد جاء فيه :

« التزاما بمقتضيات الدستور في فصله 148 الذي ينص على أن « الدولة تلتزم بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها« .

– والتزاما باستكمال مسار العدالة الانتقالية نظرا لدورها المحوري في مسار الانتقال الديمقراطي وفهم الماضي وطيّ صفحاته وتحقيق المصالحة الوطنية من خلال كشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين وجبر الضرر للضحايا بما يضمن عدم تكرار الانتهاكات وتكريس منظومة حقوق الانسان،

– وعلى إثر تلقي رئاسة الحكومة مراسلة من قبل رئيس مجلس نواب الشعب لاتخاذ ما يلزم من إجراءات بعد التصويت في مجلس نواب الشعب بجلسته العامة المنعقدة بتاريخ 26 مارس 2018.

– وعلى إثر تلقي رئاسة الحكومة مراسلة من قبل رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بتاريخ 27 فيفري 2018 بنشر قراها بالرائد الرسمي.

يتضح من طالع البيان ان الدولة ملتزمة بالعدالة الانتقالية باعتبارها مبدا دستوريا وهذا امر لا خلاف فيه حتى لمن صوتوا في مجلس نواب الشعب لعدم التمديد للهيئة وهو اعلان اقرب للمادة الإعلامية للاستهلاك الداخلي ولكن الخارجي خاصة ولطمانة كل مخاوف المجتمع المدني من توقف مسار العدالة الانتقالية فلا اعتقد ان هذا الإقرار يمثل شيئا يستحق منا التوقف كثيرا لأنه يحتوي مادة لا تعبر عن موقف صريح من السماح للهيئة بمواصلة عملها او العكس.

غير ان هناك أشياء اخرى هي التي تسترعي الانتباه.

أ) يشير النص الى قانون العدالة الانتقالية دون ان يسميه صراحة بذكر عدده وتاريخه بل يكتفي بالإشارة اليه بألفاظ عامة قد تبدو غريبة في نص تمضي عليه الدولة يقول النص » بالتشريع الخاص بها » مع العلم ان البيان لا يشير ابدا الى قانون العدالة الانتقالية بالدقة التي تستوجبها النصوص الرسمية وهو امر لا نجد له أي تفسير واضح غير الطابع غير الحرفي في هذا الالتزام من الطرفين الممضين.

ب) يشير النص الى التزام الدولة بالمدة الزمنية المقررة بقانون العدالة الانتقالية ولكن لا يذكرها صراحة خلافا لما جاء في تصريح مهدي بن غربية فمن قال انها 31 ماي ؟ وما هي هذه المدة ؟ هل هي الأربع السنوات التي ستنتهي يوم 31 ماي ماي ام هي المدة التي تنتهي بعد التمديد الذي قررته الهيئة لنفسها باعتباره ذلك من صلاحياتها وذلك كله جزء من التشريع الخاص بها سواء بسواء . مع العلم انه في باب الالتزانات اذا لم يوجد اجل محدد فان الاجل يتحدد بطبيعة المهام والالتزمات الموكولة للهيئة.

ج) يستند البيان على احالتين : » مراسلة من قبل رئيس مجلس نواب الشعب بعد التصويت في مجلس نواب الشعب بجلسته العامة المنعقدة بتاريخ 26 مارس 2018 » يتعمد البيان هنا ألا يقدم أي موقف من هذا التصويت ومن شرعيته من عدمه فهي مجرد مراسلة وهي بالضبط على قدم المواساة مع مراسلة أخرى صادرة عن هيئة الحقيقة والكرامة تطالب فيها الحكومة بنشر قرارها بالرائد الرسمي بحسب ما يستوجبه القانون ويتعمد النص أيضا عدم ذكر نوع.

هذا القرار حتى لا يضطر الى استعمال كلمة التمديد.

وفي كل الحالات تبدو الحكومة بحسب ظاهر النص على نفس المسافة من مراسلتين واحدة تنهي عمل الهيئة والاخرى تقرر التمديد …وهو ما يعني انها لا تتبنى لا مضمون المراسلة الأولى ولا الطلب الذي تضمنته المراسلة الثانية والاستنتاج البسيط من كل هذا هو ترك المسالة معلقة مما يعني على الأرجح ان الحكومة لن تتخذ في المستقبل أي اجراء لإيقاف عمل الهيئة باي شكل من الاشكال ولو كان الامر على عكس ذلك لما كان لهذا البيان أي معنى ولا أي مضمون بل لصار عبثا لا طائل من ورائه .

د )لا يتضمن البيان أيا من مطالب الحكومة التي نشرتها الصحافة فلا نجد أي ذكر لتسليم الأرشيف او انهاء الالحاقات او تسليم المفاتيح كما جاء مثلا بالصفحة الأولى من جريدة لابريس امس الخميس بل بالعكس من ذلك تماما نجد تقيدا بما نص عليه القانون من صلاحيات الهيئة متعلقة بإحالة الملفات على الدوائر المتخصصة وتعيين التعويضات للضحايا وتسليم القرار الختامي تقيدا بالفصل 70 من قانون العدالة الانتقالية مع الإشارة الى ان الهيئة والحكومة بصدد التنسيق من أجل إنجاح منظومة العدالة الانتقالية وتواصلها ولا يمكن لهذا التواصل عند أي نظر سليم ان تكون مدته الأربعة او الخمسة أيام المتبقة قبل حلول اجل 31 ماي الا اذا تصورنا انه بوسع الهيئة ان تنجز كل هذه الاعمال المعقدة في بضعة أيام

ه) ان التزام الدولة بمواصلة الهيئة عملها في المهام الكثيرة المذكورة محمول على الصدق والأمانة عملا بالقاعدة القانونية العامة الواردة في 243 من مجلة الالتزامات والعقود فالوفاء بالالتزامات يستوجب تمام الأمانة و هو امرلا يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب على الالتزام من حيث الإنصاف واننا لا نضيف بإدخال مبداي الأمانة والانصاف أي بند للعقد الممضى من الطرفين بل نرى ان تلك بالضبط إرادة الطرفين لان ما يمكن ان يعطي لهذه الإرادة معنى هو بالضبط ما يجعلها ممكنة التنفيذ.

وفي غير هذه الحالة ينتفي عن مدلولي « الانجاح » و « المواصلة « المتضمنين في الفقرة الأخيرة واللذين يشيران صراحة الى اعمال تحتاج الى عدة اشهر على الاقل أي معنى كما ينتفي عن تصرف الدولة أي امانة ولا حسن نية .وهو امر قد يتصوره البعض غير ان في تصوره ما يسيئ الى الدولة نفسها وما يجعل من التزامها مجرد مناورة لا يجوز عن تصدر عنها بل هي عمل مقيت لا اكثر ولا اقل.

و ) من الواضح ان البيان برمته تعمد الغموض وعدم الإفصاح عن شيء محدد لان ما حركه هو الخوف من مضاعفات إيقاف عمل الهيئة خاصة بعد صدور راي المقرر الخاص للعدالة الانتقالية التابع للأمم المتحدة وبعد تجند المجتمع المدني للتصدي الى أي تصرف ينهي مسار العدالة الانتقالية وهو نشاط ازعج السلطة كما انه من غير المستبعد ان تكون الحكومة قد اخذت بعين الاعتبار الراي الذي عبرت عنه حركة النهضة من اعلام الهيئة بنهاية اعمالها يوم 31 ماي بواسطة النقد الشديد الذي وجهته يمينة الزغلامي المكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة الى رئيس المجلس لإعلامه الحكومة بقرار باطل بعد تصويت باطل فلقد اعتبرت الزغلامي الامر كارثة وخلقا لضحايا جدد.

ان النهضة الشريكة في السلطة ليس بوسعها ان تصدر بيانا في الغرض ولكن من شبه الأكيد انها كلفت الزغلامي ان تتحدث باسمها .خلاصة القول ان الحكومة تصرفت مرة أخرى تحت عامل الخوف والاضطراب وهو ما يفسر التناقض بين ما ورد في البيان المشترك وما جاء على لسان مهدي بن غربية …

غير انه من الأكيد ان موقف الهيئة افضل بكثير بوجود هذا البيان فالأمر لم يعد يعني الان تأويل ما صدر عن مجلس النواب بل فهم ما صدر عن الحكومة التي ستكون محجوجة لا بالنظر الى الراي العام الداخلي بل بالنظر الى الراي العام الخارجي لان هذا الأخير لا يهمه من المسالة غير استكمال الهيئة لاعمالها .

ومن بوسعه ان يقنع الخارج بان الدولة التونسية ملتزمة بإنجاح العدالة الانتقالية وبمواصل عملها ولكن هذا الالتزام لا يشمل إلا المدة الفاصلة بين امضاء البيان أي 24 ماي ونهاية المدة أي 31 ماي ( بيان الخمسة الأيام هكذا ( ؟…يجب ان يكون هذا عبقريا في فنون السفسطة والخداع وحتى في هذه الحالة لا اعتقد انه يمكن ان يوجد عاقل ليسقط في السلة كما يقول الفرنسيون …بيان الخمسة قال …ومن الآجال ما قتل.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات