يتعالى غبار الحملات الانتخابية في الآونة الأخيرة، وتتعالى بقدره سُحُب النّفاق والإفك والتحيّل. سحبٌ تمتد من خلالها أيادي الطبقة الحاكمة لتسرق حلم المواطن في غد أفضل بعد أن سرقت واقعه وأغدقت عليه كل بهارات المرارة واليأس بعد أن أفضت نتائج انتخابات 2014 تحالفاً بين النظام القديم والنهضة، تحالف تمنّاه راشد الغنوشي منذ 1989 مع بن علي وها هو يتحقق مع أحد أعمدة المعبد النوفمبري القديم الباجي قايد السبسي.
هل أن العيش فوق صفيح ساخن قدر الوطن والمواطن؟ واقع تفرضه هذه الحرب الباردة بين القطبين في إطار ما يسمونه "التحالف الإستراتيجي" وما يصح أن نسمّيه بـ"توازن الرعب".
كل ما يقاسيه التونسي في هذه السنوات العجاف سببه هذه الحرب الخفية التي تستنزف كل الطاقات والموارد ضمن نزاع التموقع داخل أقبية الدولة، في هذا الإطار تتكرر في تنسيق مسبق وفي استغباء مقصود لوعي الناخب مسرحية الاستقطاب الثنائي وما يستدعيه من استحضار لذلك العداء الدفين. الزيجة الوبال لا تنفضّ (ظاهريا) سوى في المواعيد الانتخابية ضمن خطة مرسومة كي يظهر "القطبان" كخيارين لا ثالث لهما، وهو ما صنع ويصنع في كل موعد انتخابات حالة عزوف خصوصاً لدى الفئات الشابة.<
مشهد الاستقطاب ها هو يظهر أيضاً في كل حائط علّقت عليه القوائم المترشحة، فعين المواطن العادي لن تخطئ تصنيف تلك "القوائم االمستقلة" في الظاهر، ومتحزب في الداخل، لكن لأن الشارع لفضهم قرّروا التنكر في "سفساري" القوائم المستقلة (ربما الفكرة لبرهان بسيّس).
لعبة أخرى لإغراق الدوائر في خيارات وهمية لن تفضي في النهاية سوى إلى نفس النتيجة. ولن نتحدّث عن قوائم جمعت "الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ" ممن يعرفهم مواطنو كل دائرة ويتساءلون كيف لهؤلاء أن يترشّحوا؟ وليتساءل نفس هؤلاء المواطنين: من يدفعهم للترشح، ولماذا يظهرون وكيف في هذه المواسم؟
الانتخابات البلدية هي فرصة يراها الشيخان لكي يتغلغل أكثر فوق الأرض التونسية خيار "التوافق" واقتسام الكعكة بين اثنين لا غير، أن يصل هذا الخيار إلى ما هو أبعد من البرلمان والحكومة والتي تظلّ في النهاية مؤسسات فوقية تتحرّك في مجتمع سياسي نخبوي ضيق ولا تحتك مباشرة بالمواطن.
أما البلديات فهي الخبز السياسي اليومي للمواطن، الخبز الذي لا ينبغي أن يغمّس هو الآخر في الكلام الفارغ والوعود البالونية. إنه الخدمات الأساسية الملموسة فلا مجال لمنح الثقة لمن أخلف وعده سابقاً في مسائل أخرى مثل مسار العدالة الانتقالية الذي تنفذ في حقه محاولات الإغتيال يوميا، أو بناء الجمهورية الثانية والذي يُخترق دستورها الجديد بطريقة ممنهجة وغير ذلك كثير، والتي يُطلب من المواطن أن يغضّ الطرف عنها طوال فترة الحملات الانتخابية.
يوم تغميس الأصابع في الحبر الأزرق..
هو يوم الذاكرة القوية..
يوم الحساب..
يوم الخيار بين التقدّم خطوة خارج الوصاية..
أو الرسوب مجدّداً فوق حِجر الشيخين..