كان الباجي وفيا لما تربى عليه من فن حبك الدسائس في البلاط البورقيبي، ولعل تقدمه في السن أضاف تعنّتا من باب ''أنا وبعدي الطوفان".
خطابه الاخير كان الحلقة الثانية من إيغار الخناجر في جسد حكومة الشاهد على مرأى ومسمع الشعب. في الحلقة الأولى، أدى دور البطولة محمد الناصر وهو يرأس جلسة قانون المالية في البرلمان حين "أهدى" الشعب ساعتين من البث المباشر وضع فيها كتلتي النهضة والشاهد في مرمى خناجر المعارضة وكشف العورة السياسية، كانت الأهداف بيّنة، أن يتحوّل الشاهد في مخيلة المواطن إلى ''حامي الحرمية".
في الحلقة الجديدة، وعلى مستوى الشكل حاول السبسي أن يُبرز ندّيته لخصومه.. فاستدعى فريق ثلاثي الاحزاب الحاكمة وقابلها بفريقه المتكون من ثلاثي لا يقل قوة، رئيس البرلمان وأمين عام الاتحاد ويتقدمهم الباجي كرأس حربة.
كانت الأهداف واضحة منذ البداية: -
أولا : جمع ثلاثي الحكم وتوجيه الاتهام المباشر لهم بأنهم سبب ما وصلت إليه الأوضاع في إطار مزيد من تعرية الفريق الحكومي وترسيخ الربط بين الفشل والشاهد ومن معه.
وبدهائه المعهود، أخفى النداء من الصورة رغم أن له وزراء في الحكومة، وكي تترسّخ المعاني كان طوبال قد صرح صباحا بأنه حزبه غير معني بالاجتماع لأنه ليس طرفا لا في الحكومة ولا في الأزمة.
ثانيا : درأ الباجي عن نفسه تهم التحريض على البلبلة وتوتير الأوضاع بمبادرة جمعهم في إطار التدخل لإنقاذ الموقف.
ثالثا : حمّلهم مباشرة مسؤولية التدخل العاجل لحلحلة الأزمة، وهو ما سينتفع بغيثه في الحالتين. فإن قاموا بإجراءات عاجلة فسيكون صاحب المبادرة وصاحب الفضل، وإن فشلوا فسيكون قام بدوره في التنبيه تمهيدا لقرارات أخرى من باب التفاعل مع الأحداث حسب اتجاهها، وقد تكون من بين الأوراق التي سيلعبها تأجيل الانتخابات.
سيّدي الرئيس، الشاهد هو تناج تمخّضك السياسي في إطار تحصين حكمك ووضع غِرٍّ سياسي من العائلة يُؤمنُ جانبه، لكن ينسى الباجي أنّ التاريخ مليء بخيانات الأقارب. وينسى أن الحكومة لمدة 4 سنوات (وصاحبة الفضل الأول والأخير في الفشل) هي عرجونٌ من نخلة حزبه.
كل من عايش الباجي أو عمل معه يعلم علم اليقين أنه لن يخرج من قرطاج إلا محمولا على الأكتاف. وهذا الحلم يجعله لا يتوانى في حرق الأخضر واليابس على خطى الإمبراطور الروماني نيرون.. فسماد ذلك الحلم الشخصي.. من رماد الحلم الوطني.