البون شاسع بين المشروعيتين، فمشروعية الشارع تعتمد على تحفيز عدد من الافراد والجماعات للتظاهر في الساحات والشوارع تنديدا بواقع سياسي او اقتصادي او اجتماعي ما... عادة ما يكون التظاهر عنيفا ومتجاوزا لحدود التعقل ولضوابط القانون "الشرعي". ويمكن ان يكون لمشروعية الشارع امتداد في وسائل التواصل الاجتماعي، يتسم بالصفات نفسها لتحركات الشارع، اي ردود عنيفة تبلغ حد الشتم والسباب والتهديد والوعيد، دون نقاش جوهري ولا دفاع عن رأي ولا طرح لفكر....
أما مشروعية الشعب، فليس لها من تعبير يجلّيها الا صناديق الاقتراع في استفتاء او انتخابات...حيث يتم التعبير الشعبي باسلوب متحضر راق وفي كنف السلم الاجتماعي.
مشروعية الشارع تسبب شرخا اجتماعيا وتطاولا على مؤسسات الدولة وتهدد السلم الاجتماعي وتوقع العداوة والبغضاء بين افراد الشعب الواحد، وهي مشروعة لأنها تبقى تعبيرا من فئة من الشعب - يقل عددها او يكبر حسب الحالات - ضد تعنت الاطراف الحاكمة او فشلها في تحقيق وعودها التنموية، وقد يكون بسبب فشل السياسة الاتصالية للاطراف الحاكمة.
مشروعيّة الشارع تمثّل آخر مرحلة في حياة المجتمع المتحضر قبل ارتداده الى الطور الطبيعي البدائي المتوحش وغير العاقل.
مشروعية الشعب، على العكس من ذلك، ترمز الى رقي الشعب وقدرته على التأثير في المشهد السياسي بأسلوب متحضر، يحفظ للشعب وحدته، ويراعي حق التنوع بين الافراد، ويُحكم إدارة الاختلاف بينهم دون صدام او قتال.
كلما اهترأت الشرعية او واجهت تحديات كبرى واختيارات عويصة الا وعادت لمشروعية الشعب عبر الصناديق لاستفتائه ولتجديد شرعية المؤسسات والأنظمة، عبر تثبيت تطابقها مع المشروعية الشعبية. ولذلك تلجأ الديمقراطيات في الانظمة الشرعية الى تنظيم استفتاء شعبي لتحديد اختيارات الشعب الحقيقية، كما تلجأ الى حل المؤسسات المنتخبة قبل انقضاء مدتها النيابية، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، لاعادة إنتاج شرعية جديدة مطابقة للمشروعية.
الشرعية دائمة بدوام القوانين المنظمة لها… والمشروعية الشعبية متغيرة بتغير المزاج الشعبي وتأثير المردود السياسي للأطراف الحاكمة ووقعه الاجتماعي.
الحاكم الفطن واللبيب هو من يلجأ الى تحكيم المشروعية الشعبية عبر استفتاء او انتخابات سابقة لاوانها قبل ان ينخرم الوضع فتعم مشروعية الشارع الشعبوية. تلك المشروعية التي تجعل الشعب على قاب قوسين او ادنى من التناحر وانعدام الثقة في مؤسسات دولته او في أغلب مؤسسات دولته. وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة ايذان بسقوط الدولة… وهي ثقة اذا ما تصدّعت تحتاج المجتمعات لثورة ثقافية او لعقود من الزمن لإعادة بناء ثقة قوية من جديد.
لذلك نرجو بكل لطف من سيادة رئيس الدولة ان نتجاوز بسرعة مرحلة مشروعية الشارع نحو ارساء مشروعية الشعب التي تجلّيها صناديق الاقتراع، بتنظيم استفتاء او/و تنظيم انتخابات جديدة للمؤسسات التمثيلية في الدولة كي نستعيد التطابق المنشود بين الشرعية والمشروعية.