سأروي لكم حكاية من ضمن عشرات الحكايات، الّتي نتعفّف عن ذكرها اجتناب الرّياء وكي لا يفهم الأمر على أنّنا نمنّ على شعبنا!
اتّصلت بي مواطنة من أريانة، ولها ابنة تعاني من مرض خطير يهدّد حياتها، استكملت مراحل العلاج في تونس، وقرّر الأطبّاء أنّها لابدّ أن تجرى عليها عمليّة في الخارج، لكنّ الكنام رفضت التّكفّل بالأمر!
اتّصلت بي والدتها، فتواصلت مع وزير الصّحّة في حكومة المشيشي أكثر من مرّة، وبمدير الكنام، ولم أجد معهما حلاّ!
ساءت حالة البنت، وتواصلت الأمّ مع بعض أهل الخير في أروبا، وتمّ تحديد الموعد لإجراء العمليّة، وبقيت تحتاج إلى خمسة آلاف دينار للتذاكر وإتمام إجراءات السفر والمرافقة الطبية من تونس إلخ...
كنت أتابع الموضوع خطوة خطوة، لكنّني كنت عاجزا تماما عن المساعدة المادّية، لأنّ راتبي لا يبقى منه بعد اقتطاع القروض سوى المصروف حاف!
التجأت إلى أكثر من شخص، كي أحثّه على مساعدتها، الصور التي أرسلتها إليّ الأمّ والفيديوات وهي تسعل دما وتتوجّع ذبحتني وحرمتني النّوم! ماذا أفعل؟! هل أتركها على ذلك الحال وأقول فعلت ما أستطيع؟!
لا أعرف ما الّذي جعل نبيل القروي بالذّات يخطر ببالي؟! ولم يكن لي به أيّة علاقة، لا أعرف! لكنّني على الفور أخذت الهاتف وكلّمت الرّئيسة سميرة الشّواشي وقلت لها: أحتاج مساعدتك، هناك طفلة ستموت إذا لم تجر العمليّة! ونحتاج إلى خمسة آلاف دينار، أليس نبيل القروي يريد أن يترحّم على خليل؟! قولي له هذه فرصتك إذا كنت صادقا!
في اليوم الموالي كلّمتني الرّئيسة، لكي تسلّمني المبلغ من عندها، قابلتها و هاتفت المرأة وجعلت الرئيسة تكلمها وتخبرها بالمبلغ الذي أحضرته، اتّقاء لكلّ الشبهات، ثمّ أخذته إليها.
بعد أسبوعين أرسلت إليّ تلك الأمّ صور ابنتها بعد نجاح العمليّة، والحمد للّه كتبت لها حياة جديده!
هذه المرأة لن أسمّيها احتراما لخصوصيّاتها، وإن كان كلّ نواب أريانة يعرفونها وسبق أن اتّصلت بهم!
لسنا شياطين ولست ملاكا، نحن بشر مثلك ومثل كلّ التّونسيّين، فينا الشريف وفينا الفاسد، لكنّك لا ترى الشّرف إلاّ في الفاسدين، ولا ترى الفساد إلاّ في الشّرفاء!
عشرات الحكايات كهذه نحتسبها لوجه اللّه ونكتمها تعفّفا، لكنّ خنجر الظّلم والتّشويه والتّنكيل قد بلغ العظم، وسندافع عن أنفسنا.
أعتذر لك سيّدتي الرّئيسة، وليعلم الجميع أنّك رفضت أن أروي هذه الحادثة، لكنّني قدّرت أنّها جزء من حكاية وطن، وأنّنا جميعا معنيّون بالدّفاع عن شرفنا الذي ينتهك كلّ يوم!