الحكاية فوق التعقيد بعشرة طوابق على الأقلّ، وللأسف ابتلينا بأناس لا يعرفون من السياسة سوى السبّ والتهنتيل والتنابز وتسجيل الأهداف خارج المرمى. اللّي تحاول تفهّمه تلقاه مسكّر وذنيه بالإسمنت المسلّح.
كثيرون فسّروا سعينا الصادق منذ البداية إلى تشكيل الحكومة، بأنّه حرص على الحكم، وهذا لو تعلمون منتهى السذاجة. وكثيرون كذلك فسروا دفاعنا عن الاستحقاقات الدستورية ونقدنا الشديد لألاعيب التيار والشعب، بأنه دفاع عن النهضة، وهذا أيضا خطأ شديد.
وكثيرون كذبوا الكذبة وصدّقوها، بأننا احتياطيّ جاهز للنهضة، بإمكانها استعماله متى أرادت وكيفما أرادت. فإذا حكمنا معها فبأمرها، وإذا عارضناها وأسقطنا حكومتها فبأمرها أيضا، وإذا بقينا بين بين فبأمرها كذلك…
هؤلاء هم المرض ذاته، وهل يشفى المرض من المرض؟!!
الحكاية ببساطة لمن يريد أن يفهم:
القرار كان قرارنا، سعينا للتجميع، وجمّعنا. تفاوضنا وحلّلنا وبقينا نراقب السلوك السياسي لكل الأطراف، فتأكّدنا من حقيقة واحدة: لا توجد نوايا سياسية صادقة من طرف الجميع، وهذا يعني أنّ هذه الحكومة لن تكون متمتعة بأبسط مبادئ التضامن الداخلي وستغرق في تصفية الصراعات الداخلية ولن تجد الوقت ولا الجهد ولا الوحدة ولا القدرة على القيام بمهامّها المنتظرة.
ماذا أيضا؟
نحن قلناها بوضوح: إذا كان هناك أي اضطرار لإشراك تحيا تونس فيجب أن يكون بشروط الثورة وليس بشروط تحيا تونس. الّذي حدث هو العكس! وهل تعرفون من قوّاه ليشترط؟ التيار والشعب. تصرّفوا وفاوضوا كثلاثيّ مترابط المصالح! ولكم أن تتذكّروا غزوات آل العبّو في وصم الشّاهد بالفساد والإفساد.
ثمّ ماذا أيضا؟
لا أستطيع الإطالة أكثر، صوابعي يوجعوا فيّ، لكنّ لساني مازال طويلا سليطا بحمد الله، وسأستعمله متى أردت… الخلاصة: يظنّ الجاهل أنهم أقصونا، لكنّ ذلك كان في الشّكل فقط. في الأصل نحن الّذين اتّخذنا قرارنا بناء على كلّ الذي ذكر أعلاه، ولو قبلنا بأن نكون عجلة خامسة لجلسنا في المقعد الخامس الذي بقي فارغا.
الصورة تراها العين، ويقرؤها العقل.
أردنا حكومة وفية لروح الثورة وأمينة على محاربة الفساد، وأرادوا أيّ حكومة!! أيّ حكومة مربوطة بالتّلّ، ينفخ فيها الشاهد صدره، وينفش ريشه، ويجعل تعييناته أمرا واقعا وتصبح الدولة ملكه!!
ولذلك نحن هنا، في مكاننا الطبيعي، مع شعبنا ومع أفكارنا ومبادئنا، ومع أنفسنا قبل الناس أجمعين. لسنا مستعجلين على الانتحار، من أراد أن ينتحر ربّي يسهّلّه.
ونلتقي…