- إذا كان الاقتراض المباشر للدولة من طرف البنك المركزي لسد الفجوة المالية المحدثة في قانون المالية والمقدّرة ب 10.3 مليار دينار فهذا يندرج في إطار المقاربة المحاسباتية أي في إطار "الترقيع" الذي دأبت عليه كل الحكومات السابقة وهذا خطير وستكون له تداعيات سيئة على الاقتصاد التونسي وسيسرّع معدلات التضخم المالي.
- فما يخيف الخبراء والمختصون في الشأن الاقتصادي من الاقراض المباشر للدولة من طرف البنك المركزي هو أن يموّل هذا الاقراض النفقات الاستهلاكية للدولة أي الأجور والدعم وغيرها. أما إذا موّل هذا الاقراض المباشر النفقات الانتاجية فلن تكون هناك تداعيات تضخمية بل العكس هو الذي سيحصل سينخفض التضخم المالي وسيتحسن النمو الاقتصادي وستزيد فرص العمل للشباب.
- لذا وجب تغيير المقاربة من مقاربة محاسباتية الى مقاربة اقتصادية شاملة حتى تكون التداعيات جيدة على الاقتصاد.
- الاقراض المباشر للدولة من طرف البنك المركزي ممكن لكن بشروط :
① الشرط الأول : لا يمول هذا الاقتراض النفقات الاستهلاكية للدولة بل لا بد أن تكون غايته النفقات الانتاجية أي نفقات التنمية حتى يتحرك الاستثمار الخاص ويخلق المزيد من الثروة المنتجة ومن مواطن الرزق للتونسيين.
② الشرط الثاني : أن يكون هذا المبلغ محددا في قيمته يقع التوافق عليه بين الحكومة والبنك المركزي في إطار التعاون بينهما أي في إطار السياسة المزدوجة عوضا عن السياسة النقدية المنفردة المتبعة حاليا من طرف البنك المركزي أو السياسة الجبائية المنفردة المتبعة حاليا من طرف الحكومة.
- وهذا يتطلب تغيران :
① تغيير أول في القانون الأساسي للبنك المركزي : إضافة هدف ثان للبنك المركزي وهو النمو الاقتصادي عوضا عن هدف يتيم وهو التضخم المالي.
فعندما يرفع البنك المركزي نسبة الفائدة المديرية من أجل استهداف التضخم المالي، لا بد أن يأخذ بعين الإعتبار تداعيات ذلك على الاستثمار الخاص أي على النمو الاقتصادي وهو ما يتطلب سياسة مزدوجة بين السياسة النقدية والسياسة الجبائية في إطار تعاون تام بين الحكومة والبنك المركزي أي Policy mixt
② تغيير ثان في قانون الميزانية : وبالتحديد في مبدأ ‘عدم التخصيص" لإلزام الدولة استخدام الاقتراض المباشر من البنك المركزي لأغراض إنتاجية أي لتمويل نفقات التنمية.
- الجدل القائم حول استقلالية البنك المركزي من عدمه جدل عقيم بالأساس، فما يهم المواطن التونسي هو كيف يكون البنك المركزي مفيدا للاقتصاد لا كيف يكون مستقلا وبالتالي فإن النقاش العلمي المفيد لا بد أم ينحصر في كيف يكزن البنك المركزي مفيدا وفاعلا للاقتصاد أي للمواطن التونسي، كيف نجعل من البنك المركزي عاملا أساسيا للحد من ارتفاع الأسعار ولدفع النمو الاقتصادي لا كيف نجعل البنك المركزي مستقلا. هذا هو النقاش المفيد للمواطن التونسي، فاستقلالية البنك المركزي من عدمه لا تهم المواطن التونسي بل تهم المؤسسات الدولية وبالأساس صندوق النقد الدولي.
حتى لا تكون الخطيئة الاقتصادية كبرى أنصح :
- أن يتوفق مجلس النواب الى التقليص من المبلغ المذكور في مشروع القانون الذي يخول الاقراض المباشر للدولة من طرف البنك المركزي الى 2.8 مليار دينار عوضا عن 7 آلاف مليار أي لتسديد مبلغ الدين الخارجي والمقدّر ب850 مليون يورو حتى تكون التداعيات الاقتصادية أقل حدة على مستوى قيمة الدينار التونسي وعلى القدرة على توريد ما يلزم الاقتصاد التونسي من مواد أساسية ضرورية ومن مواد أولية لازمة لدوران عجلة الانتاج.
- كان من الأجدر أن يندرج هذا القانون في إطار مقاربة اقتصادية شاملة وضّحت ملامحها في تدوينة سابقة، لكن مع الأسف فهذا القانون لا يزال تحت سيطرة المقاربة المحاسباتية والتي أضرت كثيرا بالاقتصاد التونسي.
- من يتحمّل هذه الوضعية التي وصلنا إليها والتي جعلتنا نسيّر الاقتصاد التونسي ب "كل يوم ويومو" هو من وضع الملامح الكبرى لميزانية الدولة لسنة 2024 بفجوة مالية كبيرة تقدّر ب 10.3 مليار دينار لا تعرف وزارة المالية مصادرها.
- لكن ما يبرر الخطيئة الاقتصادية هو أن مبلغ الاقتراض المباشر من طرف البنك المركزي هو لتسديد دين قديم تورطت فيه حكومة الشاهد بمبلغ 850 مليون يورو وهو قرض رقاعي لدى السوق المالية الدولية في سنة 2017
- لكن عندما تريد هذه الحكومة أن ترتكب خطيئة اقتصادية فلا بد أن تكون خطيئة مخففة أي أن المبلغ لا يمكن أن يفوق المبلغ الذي لجئت اليه الحكومة التونسية في زمن الجائحة الصحية وهو 2.8 مليار دينار وإلا كأنما يقطع صيامه على علبة كاملة من السجائر عوضا عن سيجارة واحدة. فإن كان ولا بد لترقيع ما قامت به حكومة الشاهد فلا بد أن لا يكون هناك شطط في اللجوء الى الاقراض المباشر وأنصح أن لا يتعدى مبلغ الاقتراض المباشر لسنة 2020 وهو 2.8 مليار دينار.