أضطر مرة أخرى للكتابة عن فخامته وهذه المرة حول كلمته في اجتماع مجلس الأمن القومي المنعقد البارحة وتحديدا فيما يتعلق بإثارته للجريمة الأخيرة التي هزت الرأي العام وتفاقم منسوب الجريمة ومظاهر العنف عموما.
من حيث الجانب الاتصالي فما تم نشره في صفحة رئاسة الجمهورية لم يختلف عما تعودنا به أي فخامته يتكلم والحاضرون يصغون لدرره.
لم ترتق مقاربة فخامته للموضوع (وشخصيا لم أستغرب منه ذلك) الى طرح رؤيا ومشروع في شأن تفاقم الجريمة والعنف في المجتمع بل هو لم يتجاوز المقاربة الأمنية والقضائية الا أنه ارتكب عديد التجاوزات والخروقات وهو في الأصل أستاذ القانون اذ لم ينتبه الى أن جريمة القتل لا يكون عقابها بالضرورة الاعدام (الفصل 204 وما بعده م ج) ثم كيف لفخامته وهو الضامن للدستور وأستاذ القانون أن ينصب نفسه قاضيا مثله مثل العامة ومن يحسبون أنفسهم من النخبة ويصدر بذلك حكمه في جرائم لازالت في طور البحث.
ألا يعرف فخامته بأن القضاء أو بالأحرى الحد من منسوب الجريمة يمر حتما عبر معالجة جذرية لأسبابها العميقة. فماذا كنت تنتظر يا فخامة الرئيس من مجتمع انتشرت فيه المخدرات بشكل رهيب وأباطرتها متغلغلون في مفاصل الدولة. وماذا كنت تنتظر من شعب دمرت أحلامه وطموحاته في حياة كريمة وأغلقت في وجهه كل أبواب الأمل وكل أفق التغيير.
ومن الغريب أن يجهل فخامته أو يتجاهل أن تونس صادقت منذ 2012 في المنتظم الأممي على البروتوكول الاختياري لتعليق تنفيذ أحكام الاعدام كما تعهدت لدى مجلس حقوق الانسان في 2012 و2014 و2016 و2018 بمراجعة تشريعاتها بخصوص عقوبة الاعدام.
وهل يعلم فخامته بأن البلدان التي تطبق فيها عقوبة الاعدام لم ينخفض فيها منسوب الجريمة. ألا تعلم يا فخامة الرئيس بأن الدولة التي لا تعمل على حماية أرواح مواطنيها ولا توفر لهم الأمن في مفهومه الشامل وليس الأمن القمعي البوليسي تفقد كل شرعية ومشروعية ويصبح من الجائز بل ومن الواجب عصيانها.
يا دولة الرئيس أنت لست الا مشروع دكتاتور ولست قائدا ولا زعيما ولا تحمل أي مشروع للبلاد.