سال حبر كثير خلال الأربعة وعشرين ساعة الأخيرة تفاعلا مع ملحمة كسر أسطورة "الجندي الصهيوني الذي لا يقهر" التي سطرها أبطال المقـاومة الشعبية /حــرب الشعب الوطنية المســلحة بأصلب تعبئة روحية جبارة.
مر أمامي هذيان قومجي معادي للثورات الديمقراطية المحاصرة "7 أكتوبر 2023 هو الربيع العربي الحقيقي"، كذا يهرفون غمزا ولمزا في شرف معارك المواطنة، وفات هؤلاء السفلة أن المواطنة هي الحضن الحقيقي الداعم للمقـاومة دون مَنّ أو توظيف، وفاتهم أن دمقرطة الوطن العربي هو مطلب المقــاومة في فلسطين منذ عقود... منذ أيام الحكيم جورج حبش ساعة سأله الشباب العربي المشتبك في صفوف الجــبهة الشعبية لتحـرير فلسطين أن ما المطلوب منا؟
فكان جواب الحكيم عودوا إلى أوطانكم لتحريرها من الاستبداد وسيكون ذلك أكبر دعم واحتضان للمقــاومة، وهو نفسه ما قاله محامي المقــاومة الفلسطينية عصمت سيف الدولة الذي ظل طوال عمره يحذر المقــاومة من مأزق الارتباط بالنظم العربية محرضا اياها على ربط مصيرها بثورات الشعوب ضد نظم الاستبداد والاستغلال، وهو نفسه ما قاله المجــاهد هنــية ساعة زار تونس وسيدي بوزيد سنة 2012 مخاطبا التونسيين: دمقرطة بلادكم هو أكبر دعم للمقــاومة في فلســطين فشدوا عليها بالنواجذ.
الأمر الثاني الذي لفت انتباهي هو تهليل وترويج كثير ممن هم يخوضون معركة مقاومة الانقلاب (دفاعا عن الديمقراطية باعتبار المواطنة جوهر الثورة التونسية)، للبيان الذي صدر البارحة عن سلطات الانقلاب" المنحاز للحق الفلسطيني"؛ وهنا نطرح السؤال، هل أن قدر إسناد المقــاومة في فلسطين أن يكون مهرها دوس حقوق الشعوب في الديمقراطية والمواطنة؟!!!
هل أن النظم العربية التي انقضّت على السلطة تحت شعار تحــرير فلسطين، حررتها أم أضاعتها وأضاعت شعوبها وأوطانها؟!
هل المطلوب إعادة حقوق التونسيين المسلوبة (حق التنظم والتظاهر والانتخاب ومراقبة السلطة ونقدها) باعتبارها الدعم الحقيقي للمـقاومة أم تكميم أفواههم وتخوينهم وتحميل الدولة التونسية ما لا تقدر عليه؟!
هل المطلوب من النظام الرسمي العربي المكبل بالقيود الدولية تحــرير فلسطين أم رفع يده عن شعوبه لاحتضان المقــاومة باعتبارها الأسلوب الامثل للتحــرير ومواجهة قيود ما يسمى القانون الدولي؟
لماذا يصر طابور مــلالي طــهران وعصابة الشبيحة في تونس على المطالبة بالزج بالدولة التونسية في ما يتهرب منه أسيادهم في دولهم والاكتفاء بتوظيف المقـاومة لتنوبهم، أنظروا مثلا صنيع المستوطنة الفارسية في لبنان كيف اكتفت بالمناوشة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة دون التجرؤ على قصف المستــوطنات الصهيونية في فلسطين؟!
لنسأل التاريخ عن مآلات مسارات تجارب احتكار الوطنية واحتكار نصرة المــقاومة، هل كانت تحريرا أم تطبيعا وضياعا؟!
لئن أثبت شعب تونس وسائر الشعوب العربية وفاء دائما منتصرا للحق الفلسطيني فإن ذلك ليس مبررا لابتزازهم ومقايضة ذلك بدوس حقهم في المواطنة والديمقراطية (أسلوبا أمثل للتدبير الوطني والأسلوب الأمثل لإسناد المقــاومة). إذ كلما كنا مواطنين كنا للمقــاومة حاضنين أفعالا لا مجرد حنجوريات سلطوية لتبرير السطو على حقوق الشعوب في الديمقراطية والمواطنة.
ساعة خسر النبيﷺ ورفاقه الحرب في معركة أحد (بسبب مخالفات قاتلة)، لم يرفع في وجوههم شعار "لا صوت فوق صوت المعركة" التي يقترفها الانقلابيون العرب بل خاطبه ربه بواجب الترفق بهم والانصات لهم ومشاورتهم في الأمر. فالانتصارات لا يصنعها الاحتكار بل يصنعها شراكة تقرير المصير.
لئن كانت المـقاومة أنبل ظاهرة عرفها تاريخ العرب المعاصر فلنقرنها بأنبل مطالب الشعوب عوضا عن ربطها بالانقلابات التي حوّلت الكلمات الكبيرة إلى كبائر.