ما يجري هذه الساعات ومنذ أيام بالجنوب التونسي من تقاتل عروشي/قبلي ليس مؤامرة وليس مفتعلا. بل هو ملف ثقيل عالق تراخت عنه نخب الحكم منذ عام 56: مسألة أراضي العروش/القبائل. اكتفى بورڨيبة بمكياج شكلاني إعادة هندسة البلاد ولايات تقسيما متجاوز نسبيا للمجموعات القبلية حتى لا تكون كل ولاية قبيلة عبر قضم بعض مجال قبلي وضمه لولاية مجاورة وهكذا...
لكنه أجل تسوية وضعية أراضي العروش التي خفتت (أقول خفتت) ولم تمت في نفوس أصحابها بفضل خيار دولة العناية (رأسمالية الدولة) الذي قدم خدمات غير منكورة على علاته. لكن منذ تسعينات القرن الماضي وتنفيذ بنعلي لوصايا مؤسسات الاغتيال الاقتصادي للأمم عبر خوصصة السلطان الاقتصادي للدولة الذي راكمه التونسيون بتضحياتهم خلال عقود الستينات والسبعينات والانتقال إلى نموذج الدولة الرأسمالية المعولم. لكن بنعلي ونظائره العرب التفوا عليه بالتفويت فيه لنموذج رأسمالية الحبايب وإدارته بوليسيا لا لبراليا... لم يعمر طويلا إذ انفجرت ثورة اجتماعية تهتف ضد عصابة السراق... عشر سنوات مضت تغير الأداء السياسي من بوليسي إلى لبرالي لكن لم يتغير المضمون اللصوصي لتدبيرالثروة بل ازداد توحشا....
كم قلنا: إما دولة اجتماعية أو هو استيقاظ التوحش ما قبل الدولة... وما يجري اليوم هو مٱل موضوعي لذلك.
في الحوض المنجمي عام 2012 طاحت الأرواح حول من يشتغل في "الكبانية" التي تعتبرها بعض العروش تقع في أراضيها والجريدية أغراب! في سيدي بوزيد تمظهرت بشكل ٱخر: منحت حكومة الترويكا أحد الخواص امتياز استثمار "هنشير المعمر" في المزارة (مسقط رأسي). تحرك عفوي لا يقدر على تعبئته أكبر الأحزاب. استيقظت ذاكرة القبيلة واعتصام لقطع حركة المرور بين ڨفصة وبوزيد.... جاء الوالي يجري... ٱش ثمة؟
ڨالولو: هذي أرض الجدود فكتها فرانصا... دفعنا ضريبة الدم... استقلت تونس... لكنها احتفظت بها لنفسها... ڨلنا مايسالش هذي دولتنا.. لكن مادام اليوم عطيتوها للغير... والله العظيم إلا ما يكون الدم للركبة.... خاف الوالي وطرد اللص المستحوذ وبقي الهنشير للدولة....
أيام كارثة عاملات الفلاحة بمنطقة البلاهدية بالسلاطنية موطن الذبيحين رافقت الرئيس المرزوقي (زمن السبسي). في الطريق كنت أحدثه عن مشكلة أراضي العروش اللغم النائم. قال لي ما يلي:
لما كنت في الرئاسة استدعيت قضاة طرحت عليهم تولي ملف هذه المسألة. فأكدوا لي أنه يتوجب تخصيص "جيش" من القضاة يتفرغون لهكذا ملف وتدوم العملية سنوات معدودة... لكن بخروجي من القصر تم الغاء كل ما كنت أطرحه!!!
خلاصة:
من غير كذب… "الدولة الوطنية" كانت مشروع دعاية أكثر منها مشروع حسم واقع زمن القبائل والبايات… مجرد مكياج شكلاني…
اليوم: واجب خيار تنموي اجتماعي أو هو استيقاظ كل المكبوت القبلي النائم… والله العظيم لن يوقفه قاضي فاس! بنعلي الرعب وما أدراك وطرشڨت في وجهو!
أهلنا في الجنوب: استهدوا بالله… لا للجاهلية.. كلنا خوت. اللهم اشهد