لو لا محنة الانقلاب التي عصفت بثنائية "ثوار وأزلام"؛ لما تعرفت على الأستاذ رضا بلحاج الذي عرفه عموم التونسيين ساعة تقلد منصب رئيس ديوان قصر قرطاج زمن الرئيس الباجي قايد السبسي (رحمه الله)، عقب انتخابات 2014 التي أخرجتني من مربع المقاطعة المنخرطة في خيار" مواصلة المسار الثوري"، ساعة اختلط الحابل بالنابل ورأينا "ثوريين" بلا عد ينامون في مخدع المنظومة التي اندلعت ضدها الثورة... "ثوريون" بلا عد ينخرطون في أوقح تزيبف أيديولوجي للإجهاز على أهم مكسب فرضته الثورة التونسية باسم الحرب على الإخوان... ساعتها انتبهت لحجم الخديعة وقلت إن كان لابد من تجرع كأس السم فلنتجرعه مع المنتخبين لا مع المتقلِبين. خيار الانحياز للديمقراطية الوليدة الذي بموجبه أصبحت "خوانجيا" في عرف ثورجيين فوادين لا يخجلون من النوم في مخدع عصابة السراق!!!
انتبهت للأستاذ رضا بلحاج ذات حوار تلفزي أجري معه على هواء احدى قنوات المافيا وكان السؤال منخرطا في حملة اغتيال وترذيل الرئيس المنصف المرزوقي، وكم كان جوابه صادما ومخيبا لآمالهم، ساعة ذكر بكل خير الرئيس الذي فازوا عليه في أشرس حملة انتخابية، قائلا كونه ترك كل الهدايا التي أهديت له بما فيها الهدايا الخاصة. أذكر أني علقت هذا رجل محترم، ليس المهم في السياسة أن نكون متفقين بل المهم أن تسود الشهامة والنبل في قلب الصراع.
حتى كان الانقلاب وارتباك الأحزاب... وميلاد مواطنون ضد الانقلاب لقيادة المقاومة في ظل موازين منخرمة لصالح موجة شعبوية مزطولة بالكلمات الكبيرة.
ما فعله الأستاذ رضا بلحاج كان بالنسبة لي ولرفاقي في مواطنون سارا ومفرحا، كيف لا نفرح ونحن عرايا الصدور في مواجهة قصف مكثف من مختلف الاتجاهات كوننا باراشوك للنهضة المطاح بها النهضة المطلوب رأسها، وحدنا كنا نصرخ إن المطلوب رأسها هي الديمقراطية وما شعار الاطاحة بالأخونة سوى دخان للتعمية والتضليل وكون فرض حالة الاستثناء لن تستثني أحدا لا يمين ولا يسار، لا نقابات ولا قضاء ولا محاماة...
في قلب مغامرة السباحة ضد تيار الشعبوية الجارف والقصف الترذيلي العاصف، نلتفت فنجد الأستاذ رضا بلحاج بجانبنا كتفا بكتف، كان أيامها رفيقا للأستاذ أحمد نجيب الشابي في تجربة حزبية أسساها معا في قراءة جديدة للمشهد وتطوراته (نجيب الشابي قادم من الحزب الجمهوري ورضا بلحاج قادم من نداء تونس... فرز جديد وانتظام جديد..). خاطب الأستاذ رضا بلحاج الاستاذ الشابي رفيقه في التجربة الحزبية الجديدة، سنظل رفاقا لكني أرى أن المعركة هناك حيث مواطنون...
لم أره يوما يزاحم على الاضواء أبدا أبدا، منصت جيدا وقليل الكلام... كثيرا ما يحتد نقاشنا في لقاءات مواطنون وتتعالى الأصوات... وحده الصدق والمحبة الرفاقية تحسم الموقف وتحمي الرحلة وسط الأمواج الملاطمة، أبدا لم يكن الأستاذ رضا بلحاج يوما طرف تأزيم أو ترجيح كفة على كفة، بل كان دوما ينأى بنفسه عن صخبنا وإن تكلم فللتهدئة. تابعت كل تدخلاته وتصريحاته طيلة العام الأول من عمر مقاومة الانقلاب، كان دوما أنيقا في انتقاء العبارات التي يؤثث بها تدخلاته، كان وفيا أمينا لقاموس مواطنون خطابا وسقفا وجملا سياسية، كان عنوانا للرفاقية النضالية ولم يسع يوما للظهور على حساب رفاقه المتعددي الروافد.
ذات اجتماع تزامن مع الأحداث العاصفة بمدينة عڨارب، أذكر أني قلت، طبائع الأمور تقول أن مكاني هناك حيث الانتفاض الإجتماعي وليس هنا، لكن التجربة المرة علمتني أن التضحية بالديمقراطية كانت دوما مقتل كل المكاسب الوطنية والاجتماعية، لذلك أنا معكم هنا حيث معركة مقاومة الانقلاب على الديمقراطية وساعة استئناف مسار البناء الديمقراطي سنكون في خنادق متقابلة، ابتسم سي رضا بهدوء من فهم الرسالة.
انحياز الأستاذ رضا بلحاج ومناضلين كثيرين للديمقراطية والدستور والقانون في مواجهة الاستثناء والتعليمات حررني من نفق الثنائية القاتلة "ثوار وأزلام" إلى رحاب ثنائية ديمقراطيون في_مواجهة فاشيين.
وهذا ما لم يفهمه الانقلابي الدعي ساعة أطل يهرف "كانوا يتصارعون وهاهم اليوم يتحالفون". نعم كانوا يتصارعون تخت سقف الديمقراطية وهاهم يتحالفون للاطاحة بمن أطاح بها ولن تطمس الديمقراطية اختلافاتهم، لكن معركتهم المشتركة ضد شعبويتك الرثة حتما ستضاعف من دوائر المشترك الوطني بينهم.
والمستقبل وحده سيحدد من ستخلده الأجيال ومن ستلعنه. الحرية للأستاذ رضا بلحاج ورفاقه الصامدين في زنازين الانقلاب.
يسقط الانقلاب، تسقط الفاشية، عاشت تونس حرة ديمقراطية ولا نامت أعين الجبناء.