ملاحظات سريعة:
ما عاد ممكنا دك وسحق أي تحرك واحتكار الصورة التي يريدها المنتصر... هذا زمن ثورة الاتصالات... ضخّ هذا الفضاء صورا لأمنيين بأيديهم بقايا قنابل مسيلة للدموع رجمهم بها زملاؤهم تماما كما يتظلم المدنيون العزل الذين كانوا دوما عرضة لهكذا عنف سلطوي...
لكن ما يتعرض له هذه الأيام أمنيون يعتصمون على أيدي أمنيين ينفذون التعليمات شكل صدمة ورضّة قاسية لمن كانوا دوما جماعة تضامنية (زميل... كلمة سحرية لها مفاعيلها التضامنية القصوى في مواجهة المدنيين ولها مفاعيلها التضامنية القصوى في التغطية على بعضهم في مخالفة القوانين التي يطبقونها على المدنيين العزل، لكن عبارة "زميل" اليوم تتصدع في مواجهة السلطة، الزميل "يفشّخ" الزميل ويعتقله كأنه مجرد "مواطن" بعبارة الأمنيين المفشخين والمفشَّخين).
كيف نفهم ما يجري؟
نشأت "النقابات الأمنية" في قلب مسار ثوري مفتوح (خرج فيه المدنيون العزل منتفضين ضد نظام لصوصي بوليسي) وجد فيه الأمنيون أنفسهم عرايا في مواجهة أقدارهم ساعة فر كبيرهم وتوارى ضباطه الأمراء... خرجت بروليتاريا البوليس لأول مرة متظاهرين في الشوارع "أبرياء أبرياء من دماء الشهداء"... رد الشعب الطيب الساذج بارتياح شكرا على الاعتذار... أنتم أبناؤنا...
وبدأ طوفان" النقابات الأمنية"...
هل كانت نقابات "عمالية" (جهاز البوليس بدوره أولاد شعب خدامة مفقرون في أغلبيتهم المطلقة)، أم كانت نقابات سكتارية يحتمي وراءها جهاز البوليس الرافض الخضوع للقانون أسوة بالمدنيين؟
نقابات بوليسية في مواجهة الشعب والقانون والثورة الديمقراطية أم نقابات منتصرة لبوليس جمهوري ولاؤه الاعلى للدستور أسوة بزملائهم في الديمقراطيات المستقرة؟
هل نشأت نقابات تنتصر لدولة للقانون الذي يسري على الحاكم والمحكوم أم تنتصر للدولة القانونية التي تطبق القانون على "المواطن" وتضع البوليس فوق القانون؟
للأسف مسارات النشأة كشفت أنها مازالت "نقابات" تناضل في سبيل حصانة البوليس أثناء تفشيخه "للمواطن" الغلبان أكان مناضلا في سبيل الديمقراطية ودولة القانون أم مناضلا اجتماعيا أم خلايق وباندية وسراق.... فشخ كلّهم كيف كيف...
لكن هذا لا يعني أنه لم توجد نقابات جهوية (ڨابس مثلا) أو أفراد (بلا عد) أو أسلاك (النقابة الوطنية للحرس) كانت لهم مواقف متميزة منحازة للثورة الديمقراطية (دولة القانون) لكن للأسف ظل هؤلاء دوما عرضة لتحرش السلطة وتوجس زملائهم في "نقابات" الدفاع عن الدولة القانونية...
مشهد نقابي متنوع... غير واضح... مناضل... مؤدلج... كلو موجود....
فشلت الثورة الديمقراطية في ترشيد هذا المولود الذي ترك في عمومه أسوأ الانطباعات في صفوف مناضلي دولة القانون... إذا لطالما كانت هذه النقابات درعا يختطف المطلوبين للقانون من زملائهم عنوة كي لا يُحاكموا أمام القانون!!!
غازلهم قيس سعيد ساعة كان يتمدد لبسط نفوذه اللادستوري على كل الأجهزة الحاملة للسلاح... حدثت تقاطعت قبلوا بموجبها مركزة السلطة السياسية بما يضرب في مقتل دستور الثورة الديمقراطية...
ساعة كان مقاومو الانقلاب المدنيون العزل يصرخون إن الاستثناء لن يستثني أحدا... كان بعضهم يقتدي بابن نوح الضال... طوفان الاستثناء لن يطالنا.... حتى أفاقوا جميعا أن ماكينة الاستثناء ترحي المناشدين والمطبلين والمزمرين قبل المقاومين... بدأ بالورڨ حتى وصل إلى العتڨ... فهل دعوة توحيد النقابات الأمنية وحصر أنشطتها في المطلبي الاجتماعي (جوهر النضال النقابي) هو تصحيح مسار نشأة مخيفة المسار أم هي كلمة حق لرحي كل صوت "نشاز" عن إرادة أمير السلطنة؟
هل يكتفي حراس الديمقراطية بترديد عبارة البلهاء "فخار يكسر بعضو" أم يتقاطعون مع ظاهر شعار سليم ترفعه سلطة انقلابية ترحي الجميع باسم كلمات كبيرة تحولت في فم أميرها إلى كبائر... أم ينصتون بانتباه إلى جوهر صرخات الأمنيين المعتصمين؟
لكن في المقابل، هل قدم خطاب الأمنيين المعتصمين ما يشي أنهم يدافعون عن دولة القانون في مواجهة زحف قطار سلطان المراسيم؟!!
المتابعة الدقيقة لظهورهم الإعلامي (الرصين الرسمي) أو تدخلاتهم الميدانية الانفعالية المنفلتة تكشف ضعف الجوهر المنتصر لدولة القانون الذي يسري على الجميع.. مازال خطاب الرعونة المنفتلة طيلة عشرية رخاء الثرثرة الآمنة هو السائد...
ومع ذلك هل يهلل حراس الديمقراطية لصنيع السلطان الذي شرع في رحي الصامتين والشامتين وشركاء الانقلاب أم يتبينون خيوطا غير واضحة المعالم في خطاب الأمنيين وسائر النقابات التي تنتظر دورها على مذبحة سلطان المراسيم؟؟
وفي مقابل ذلك... هل تمثل هذه "النقابات" جمهور الأمنيين المفقرين المتضررين من لظى دولة السلطان أم أنها تطالب بنصيبها من السلطان الذي صمتت عليه طيلة عام الانقلاب لكنها تحركت مباشرة بعد الاستفتاء الذي كشف عزلة السلطان الشعبية (مقاطعة تكاد تكون شاملة) رغم تزييفه وتفاخرة بالأربع تسعات التي يعرف الأمنيون حقيقتها... وبوجب ذلك هم اليوم يطالبون بنصيبهم من السلطة المعزولة التي لا تعيش بغير حمايتهم؟!
يُفترض أن يجيب حراس الديمقراطية على كل هذه الأسئلة وتقدير موقف مما يجري عوضا عن المراقبة الصامتة البلهاء...
ويُفترض أن يجيب نشطاء "النقابات الأمنية" بوضوح تام عن الأسئلة القلقة التي يهجس بها حراس الدولة المدنية الديمقراطية... ما موقفهم مما يجري من حديث عن بديل قوي عن الانقلابي الرخو... أن يتولى السلطة مسلح أم تعود إلى المدنيين على قاعدة الاحتكام الديمقراطي إلى إرادة الشعب؟
ماهو موقفهم من دوس المؤسسات كلها ورميها مع غسيل "الفاسدين"؟!
هل الانقلاب كان ضد" سياسيين فاسدين" أم ضد السياسة؟
هل الشعبوية لها شركاء أم أنها ترحي الجميع مقاومين ومتواطئين؟
انقاذ تونس من حريق الشعبوية يستلزم وضوح الجميع.. أما الصمت الشامت فسيحرق الجميع.