مرحبا بكم في عصر التكنولوجيا! عصر الهواتف الذكية و الحواسيب اللوحيّة و العوالم الرقميّة! عصر السرعة و خدمات الإنترنت عالية الجودة! أخيرا توفّرت كلّ الوسائل و الأدوات الملائمة التي تمكّننا من الارتقاء بجودة التعليم في أوطاننا و تسهّل علينا عمليّة إيجاد المعلومة بسرعة البرق .. أخيرا أصبح بمقدورنا العمل و البحث و الدراسة بكلّ أريحيّة حتّى نتمكّن من الالتحاق بركب البلدان المتقدّمة علميّا و اقتصاديّا..
لكن لماذا لم يتحسّن مستوى المتعلّمين و الناشئة رغم توفّر المناخ لهذا الغرض؟ لماذا كانت النتيجة عكسيّة؟ خيبة أمل كبيرة و تشتت ذهني مرعب بات أبناء هذا الجيل يعانون منه في الوطن العربي. لقد أصبح أبناء الجيل الجديد يحملون أجهزة هواتف ذكيّة و عقولا فارغة غبيّة! يالها من معادلة! لقد انعكس السحر على الساحر..
لماذا فقدنا السيطرة على أبنائنا وفقدوا هم السيطرة على أنفسهم فصاروا عبيدا أغبياء لأجهزتهم الذكيّة التي لا يتخلّون عنها حتّى في بيوت الحمّام! لقد تحولّت تلك النعمة إلى نقمة و بات الفرد منهم لا يطيق العيش بعيدا عن عالمه الافتراضي و ألعابه الافتراضيّة وأصدقائه الافتراضيين!
إنّها العبثيّة بعينها أن يدمن الصغار و الكبار كحدّ سواء على كلّ ما هو افتراضي.. يعيشون في عالم خيالي يشتّت انتباههم عن الدراسة و العمل و يبعدهم في كلّ لحظة عن أقربائهم وأهاليهم.. يسرق منهم أعمارهم دون أن يعوا ذلك و يمنعهم من الاقبال على الحياة بكلّ عنفوانها و بهجتها و مرحها.
لقد أثبتت دراسة ألمانيّة أن كلّ من يجلس على الانترنت و يبقى مبحرا فيها لأكثر من ساعتين في اليوم قصد التسلية و إضاعة الوقت لا بدّ له من الانخراط في دورة نقاهة نفسيّة لمعالجة آفة الادمان تلك!! فما بالك بشبّان و أطفال الوطن العربي الذين يقضّون الليل و النهار يتصفّحون في مواقع الانترنت دون كدّ أو تعب؟!
بات جليّا أنّنا لم نتقن بعد استعمال التكنولوجيا لأغراض مفيدة. لقد أثبتت الدراسات المقامة على مستعملي الانترنت في الوطن العربي أنّ حوالي 43 %من الموظّفين يستعملون الانترنت للتسلية خلال أوقات عملهم و قرابة 77 % من التلاميذ يبحرون عبر النت قصد التواصل مع الأصحاب أو اللعب خلال أوقات الدراسة داخل الفصل!!
فكيف لنا أن نرتقي و نتقدّم ونحن لا نحسن استعمال التكنولوجيا إلّا لغايات سطحيّة تافهة!؟ هذه عيّنة من الواقع الكارثي الذي نعيشه و ما خفي كان أعظم. نحن وللأسف نعيش عصر الهواتف الذكيّة والعقول الغبيّة.. إلّا من رحم ربّي.