معبر رفح ظلّ مفتوحاً... صدّقوا السيسي!
بماذا كان الناس يحتفلون في «ستاد القاهرة الدولي» مساء الخميس الماضي؟ سؤال طرحه أحدهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتتراوح الإجابات بين أقلية تسخر كما يحدث مع معظم الاحتفالات الجماهيرية التي يدعو إليها عبد الفتاح السيسي، وبين غالبية لم تعرف أصلاً أنّ هناك احتفالاً، فحجم متابعة أنشطة السيسي، خصوصاً المفاجئ منها في تراجع مستمر.
فيما كان الكل يترقّب سريان الهدنة في فلسطين المحتلة صباح يوم الجمعة الماضي، كان النظام المصري في عالمه الخاص الذي لا يغادره إلّا نادراً. فجأة من دون مقدمات، دعا السيسي إلى احتفال بعنوان «تحيا مصر لدعم فلسطين» في «ستاد القاهرة». الدعوة طبعاً ليست عامة ولا يعرف بها الجمهور العادي إلّا بطريقتين: من يمرّ بجوار الملعب ويشاهد الحشود واللافتات، أو من يفتح التلفزيون مصادفة، فيجد جمعاً من البشر والرئيس يتكلم. هذه هي السياسة المتبعة في معظم فعاليات السيسي الجماهيرية منذ مدة طويلة. سياسة لا تقبل أي استثناءات حتى لو كان الأمر يتعلّق بقضية بحجم العدوان الإسرائيلي على غزّة الذي شغل المصريين لشهرين تقريباً.
القصة باختصار أنّه بمجرّد التأكّد من إقرار الهدنة وعودة تشغيل معبر رفح بشكل اعتيادي بناء على رضوخ جيش الاحتلال لشروط المقاومة الفلسطينية الخاصة بتبادل الأسرى، اغتنم السيسي الفرصة لتذكير الناس بأنّ المعبر ظلّ مغلقاً ولا يفتح إلا بموافقة قوّات الاحتلال. هكذا، أطلّ الرئيس المصري بكلمة مكتوبة بعناية لم يخرج فيها عن النص عكس عادته الأثيرة، ليؤكد أنّ المعبر «ظلّ مفتوحاً»، ولكن الجانب الإسرائيلي هو الذي قصفه أربع مرات. الكل يذكر طبعاً أن القصف الصهيوني للمعبر بدأ وانتهى في الأيام الأولى لـ «طوفان الأقصى»، وأنّ النظام المصري كثّف نقل صور الشاحنات المكّدسة في انتظار الدخول إلى غزة.
الكل رأى وسمع، لكن وحده السيسي مصمّم على أنّ معبر رفح لم يكن مغلقاً، ليدفع عن نفسه اتهاماً لم يوجّه إليه في الأساس. لم يقل أحد أنّ مصر أغلقت المعبر، لكن ماذا فعلت القاهرة حتى تضغط على تل أبيب لزيادة عدد الشاحنات يومياً؟ سؤال لن يجيب عنه السيسي الذي ذكّره المصريون، حتى كارهو الإخوان، بأنّ الرئيس الراحل محمد مرسي أرسل رئيس وزرائه هشام قنديل شخصياً إلى غزة لفكّ الحصار عنها، مراهناً على أنّه يستحيل أن يقصف العدو قافلة تضمّ مسؤولاً مصرياً رفيعاً.
لماذا لم يكرر السيسي الخطة نفسها؟ لماذا ذهب وفد من الفنانين وآخر يمثل «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إلى رفح والعريش واكتفوا بالتقاط الصور التذكارية عند المعبر؟ لن نحصل على إجابات لأنّ طرح الأسئلة مرفوض، بل إنّ شاشات النظام المصري كانت تكافح أي أفكار يطرحها ضيوف عرب حول أنّ الحصار مضرّ لمصر مثل غزة، وأنّ رفض القاهرة القاطع لتهجير الغزاويين إلى سيناء يجب ألا ينحصر بالتصريحات السياسية، وإنّما بتخفيف الحصار حتى لا يحدث التهجير قسراً بسبب العطش والجوع وانتشار الأمراض.
لكن حالما اكتملت المفاوضات وفرضت المقاومة شروطها، ذهب الرئيس المصري إلى «ستاد القاهرة» وتفقّد شاحنات المساعدات، ما رسم علامة استفهام أخرى. فقد بدا كأنّه يستعرض ما تقدّمه المحروسة لغزة، مع عرض الأفلام الدعائية التي يحبّها ويشارك فيها الفنانون مرغمين، قبل أن يلقي السيسي كلمةً أمام جماهير محتشدة بالإكراه ليغسل يده من تهمة الحصار، متجاهلاً أنّ التاريخ الذي لا ينسى، بات يمتلك هذه المرّة وسائط إعلامية حديثة دوّنت مواقف الجميع في عدوان غير مسبوق، سواءً على مستوى بسالة المقاومة أو انحطاط الاحتلال وتواطؤ غالبية الحكام العرب معه.