عملية علاقات عامة وتدريب للجيش الأميركي لتطوير قدراته البرمائية واللوجستية في الحرب
تواصل حكومة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن عملية خداعها واحتيالها لتغطية دعمها اللامحدود للعدوان الصهيوني الإجرامي على غزة حيث أعلن بايدن في خطابه حول حالة الاتحاد ليلة الخميس الماضي أنه أعطى تعليماته إلى وزارة الدفاع (البنتاغون) وجنودها بناء رصيف عائم على سواحل غزة لإيصال المساعدات الانسانية والغذاء إلى سكان قطاع غزة الذي تشارك الولايات المتحدة إلى جانب كيان العدوان الصهيوني في حصاره ومنع فتح معبر رفح لإدخال آلاف الشاحنات المتكدسة أمامه.
وقال البنتاغون يوم الجمعة أنه سيتم نشر ألف جندي أميركي قبالة ساحل غزة لهذا الغرض الرمزي بالرغم أن بايدن كان نفى في خطابه عزمه على إرسال جنود إلى غزة حين قال "أوجه الجيش الأميركي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف مؤقت في البحر المتوسط على ساحل غزة يمكنه استقبال سفن كبيرة تحمل الغذاء والماء والدواء والملاجئ المؤقتة"، مضيفا "لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض".
وعلى الرغم من زعم بايدن أن بناء الرصيف العائم مدفوع بمخاوف إنسانية فإن الواقع يكذب هذا الادعاء، إذ كان من الممكن إطعام جميع سكان غزة في غضون أيام لولا الحصار الذي يفرضه كيان العدوان والولايات المتحدة من خلال نفوذها على النظام المصري على منع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصر. فبينما يعلن المسؤولون الأميركيون أن على الكيان الصهيوني "بذل المزيد من الجهد" للسماح بدخول الطعام إلى غزة، فإن الولايات المتحدة تعمل على تمكين سياسة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتمثلة في تجويع الشعب الفلسطيني من خلال الاستمرار في زيادة الأسلحة والتمويل للكيان الصهيوني.
فقد أشارت تقارير صحفية نشرتها صحيفتا واشنطن بوست و وول ستريت جورنال قبل أيام إلى أن حكومة بايدن طلبت من الكونغرس الموافقة على شحن أسلحة إلى الكيان بقيمة 106 مليون دولار و 147.5 مليون دولار، لكنها في الوقت نفسه أرسلت أكثر من 100 شحنة أسلحة منفصلة إلى الكيان منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وقسمتها إلى شرائح أصغر لتجنب إشراف الكونغرس الأميركي حيث بدأت تظهر أصوات عديدة داخله تعارض إرسال أسلحة إلى الكيان لإرغامه على وقف العدوان على غزة وتشمل تلك الأسلحة 23 ألف من الأسلحة دقيقة التوجيه.
ويرى محللون أن الدافع وراء قرار حكومة بايدن بإنشاء الميناء العائم هو سعيها لاستعادة أصوات الناخبين العرب والمسلمين والسود الأميركيين وقطاعات شبابية من الحزب الديمقراطي وتسعى لإقناعهم بأنها تعتزم تغيير سياستها من خلال الاحنيال فيما تواصل إرسال شحنات الأسلحة الأميركية إلى كيان العدوان. لكن بعد خمسة أشهر من المذابح في غزة، تُعَدّ الولايات المتحدة مسؤولة إلى حدٍّ بعيد عمّا يشهده القطاع.
وتصريحات بايدن ونائبته كمالا هاريس ووزير خارجيته بلينكن بشأن دعوتهم كيان العدوان إلى زيادة المساعدات إلى قطاع غزة، لا تعدو كونها محاولة جوفاء لتبييض صورة واشنطن، التي واصلت استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضدّ جميع مشاريع القرارات المُطالِبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة؛ وعارضت القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية متّهمةً فيها الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم إبادة، واستمرّت في تزويد الكيان بالأسلحة التي تستخدمها قواته لقصف المدنيين في غزة. واللافت للنظر أن قرار بناء الميناء العائم حظي بترحيب كيان العدوان لأنه سيستخدم بدون رقابة من أحد غير الجيشين الأميركي والإسرائيلي مما قد يستخدم فعلا لتزويد الكيان باحتياجاته من الأسلحة وغيرها وإقفال كافة المعابر إلى قطاع غزة، فالمهم بالنسبة لهم أن يبقى معبر رفح مغلقا لرفع كلفة المعاناة الانسانية على سكان القطاع لابتزاز المقاومة لإرغامها على تقديم التنازل عن مطالبها للإطلاق سراح المحتجزين لديها.
وفي أحسن الأحوال، فإن بناء الحوض العائم هو تمرين ضخم للعلاقات العامة، يهدف إلى صرف الانتباه عن دعم الولايات المتحدة المستمر للإبادة الجماعية في غزة. وعلاوة على ذلك، لن يتم تشغيل الرصيف قبل شهرين، وخلال هذه الفترة سيستمر 2.3 مليون من سكان غزة في الجوع.
ولكن لهذه الخطة دلالات أخرى أكثر شؤما أيضا، إذ سيتم نشر ألف جندي أميركي في غزة مما يزيد من مستوى مشاركة الجيش الأميركي في العدوان، و يرى البنتاغون حرب الإبادة الجماعية كفرصة للتدرب على قدراته البرمائية واللوجستية، والتي يخطط لاستخدامها في الحروب المستقبلية في جميع أنحاء المنطقة وعلى نطاق العالم.
وكانت عمليات الإنزال الجوي الأميركية للأغذية إلى غزة حتى الآن ضئيلة، حيث قال الناطق باسم البنتاغون بات رايدر إنه يتم تسليم ما يقرب من 11 ألف وجبة جاهزة يوميا - لإطعام السكان الذين يتضورون جوعا والذين يزيد عددهم عن 2 مليون نسمة.فيما تتزايد الأنباء عن وفاة أطفال غزة بسبب سوء التغذية. حيث وصل عددهم حتى يوم الجمعة إلى 23.
بايدن في خطابه الذي تضمن هجوما قويا ضد روسيا والصين وإيران فقد أكد تأييده ودعمه اللامحدود لما يقوم به كيان العدوان في غزة، وقال إن "لإسرائيل الحق في ملاحقة حماس" وأن الصراع يجب أن ينتهي بالاستسلام التام للمقاومة وقال: "يمكن لحماس إنهاء الصراع بالاستسلام". وقد برأ بايدن كيان العدوان الصهيوني من جرائمه باستهداف السكان المدنيين بقوله إن "حماس تختبئ وتعمل بين السكان المدنيين مثل الجبناء، تحت المستشفيات ومراكز الرعاية النهارية وكل ما شابه ذلك". وقد أوضح المسؤولون الصهيونيون أنهم يعتزمون شن هجوم واسع النطاق على رفح قبل بداية شهر رمضان. ومع انهيار المفاوضات في القاهرة حول وقف إطلاق النار، قال بايدن يوم الجمعة إنه "يبدو من الصعب" التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل شهر رمضان - معترفا فعليا بأن اجتياح قوات العدوان الصهيوني لرفح سيحدث.
إن كل أحاديث المسؤولين الأميركيين حول المجاعة في غزة وقيام الولايات المتحدة ودول عربية موالية لها بعمليات إنزال جوي لصناديق إغاثة وغذاء هو محاولة تحويل انتباه الرأي العام الأميركي والعالمي الذي تتعاظم إدانته للعدوان الصهيوني وجرائم الإبادة الجماعية الصهيونية إلى أن القضية هي مجاعة واحتياج أهل غزة إلى الطعام وليس الحديث عن المتسبب في المجاعة وهو العدوان الصهيوني على غزة.
إن المساعدات الضئيلة التي تمر غالبا إلى غزة والتي تسمح بها قوات الاحتلال الصهيوني تتحول إلى قاتلة. حيث قتل خمسة أطفال عندما تعطلت مظلة خلال عملية إنزال جوي من طائرة مصرية للمساعدات الإنسانية يوم الجمعة، بينما فتحت قوات العدوان الصهيوني النار مرة أخرى على أشخاص في مركز لتوزيع المواد الغذائية في مدينة غزة في اليوم نفسه. وفي الشهر الماضي، أطلقت قوات العدوان النار على أشخاص اصطفوا للحصول على الطحين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص فيما أصبح يعرف باسم "مذبحة الطحين".
وقال مايكل فخري، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، للصحفيين في جنيف إن عمليات الإنزال الجوي الأميركية للأغذية وخطط بناء ميناء عائم كانت "سخيفة" و"ساخرة". وقال إنهم "لن يفعلوا سوى القليل جدا للتخفيف من الجوع وسوء التغذية ولن يفعلوا شيئا لإبطاء المجاعة". وأضاف: "الوقت الذي تستخدم فيه الدول الإنزال الجوي وهذه الأرصفة البحرية هو عادة، إن لم يكن دائما، في المواقف التي تريد فيها إيصال المساعدات الإنسانية إلى أراضي العدو". لكن غزة محاصرة بالكامل من قبل الكيان الصهيوني المدعوم والمسلح من الولايات المتحدة. أما مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، جولييت توم فقالت "هناك طريقة أسهل وأرخص لجلب الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها إلى قطاع غزة. ... وذلك عبر الطريق البري، بما في ذلك إرسال المزيد من الشاحنات من إسرائيل إلى قطاع غزة. ... لا ينبغي أن يكون الأمر بهذه الصعوبة. هناك العديد من المعابر التي تربط إسرائيل بقطاع غزة، وهذا ما استخدمناه قبل بدء الحرب."
ويذكر أن قطاع غزة قبل العدوان الصهيوني الحالي كان يتلقى الجزء الأكبر من احتياجاته الإنسانية من البضائع عبر خمسة معابر من أبرزها رفح وبيت حانون (إيرز) والمنطار (كارني) وكرم أبو سالم.