المرة الاولى التي التقيت فيها المرحوم فاروق القدومي (ابو اللطف) كانت في احدى ليالي شتاء 1968 في إربد رفقة مجموعة من الشباب الفلسطيني… كان ابو اللطف في الثلاثينيات من العمر يغطي راسه بالكوفية المرقطة والعقال… تحدث ابو اللطف عن الأعمدة التي يقوم عليها التنظيم وهو يقصد حركة فتح.. لم اعد اتذكر تلك الأعمدة التي تحدث عنها لأنني اثبت في كتابي عن حركة فتح بعنوان ستون عاماً من الخداع ان قيادة فتح وتحديدا ياسر عرفات كانت تعمل وفق سياسة اللملمة في التنظيم والتجنيد.
لم اتوقف عن اللقاء مع ابو اللطف وخاصة بعد عملي في الصحافة منذ عام 1980 وازدادت اللقاءات مع وجوده في تونس التي كثيرا ما كنت أتردد على زيارتها بحكم عملي وكنت دائما احرص على اللقاء مع ابو اللطف في مكتبه بالدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية واحيانا في بيتهم .
اختلف ابو اللطف مع عرفات في موضوع اتفاق أوسلو لكنه لم يتخذ موقفاً معاديا لعرفات … كان لصيقاً به لكن من موقع استمرار حالة الرفاقية التي طبعت العلاقات داخل قيادة فتح ففي المؤتمر الخامس لحركة فتح دعا ابو اللطف إلى ان يكون عرفات فوق التصويت فهو القائد الدائم وحصل ابو اللطف في انتخابات اللجنة المركزية لفتح في ذلك المؤتمر على اعلى الأصوات فيما سقط البعض من بينهم نبيل شعث ومحمود عباس الذي قام عرفات بإعادة تعيينه عضوا في اللجنة المركزية.
لقد رفض ابو اللطف بعد أوسلو الدخول إلى الضفة الغربية على غرار الآخرين بموافقة قوات الاحتلال الصهيوني التي قامت اجهزة امنها بالتحقيق معهم قبل الموافقة على دخولهم والذي كان يتطلب مصافحة الصهيونيين المحتلين الذين يؤكد ابو اللطف انهم عدو ينبغي عدم مصافحتهم مشترطاً اعترافهم بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم اعترافاً رسميا وحينها "يمكن ان نناقش ونتصافح”.
وكان يصر على ان تبقى مؤسسات المنظمة خارج الضفة الغربية … ومن بينها الدائرة السياسية التي بترأسها وقد ابقى عليها عرفات في تونس بعد اقامة السلطة في رام الله ارضاء للقدومي لكن محمود عباس الذي لم يكن على وئام مع ابو اللطف أصر متعمدا تصفيتها لصالح وزارة خارجية سلطة عميلة للاحتلال بعد ان خلف عرفات في رئاسة السلطة واوقف مرارا صرف ميزانيتها إلى ان وصل الأمر بالقدومي إلى الموافقة وتسليم المبنى إلى صاحبه التونسي ومغادرة تونس إلى عمان وبذلك أحال نفسه طواعية على التقاعد لكن بقيت أنظار الكثيرين من كوادر فتح ومنظمات اخرى تتجه نحوه ليأخذ الخطوة لتعرية محمود عباس وإفقاده اية شرعية يتغطى بها لاعادة فتح والمنظمة إلى الخط الوطني الذي دمره محمود عباس . وفي آخر لقاء صحفي أجريته مع ابو اللطف ونشر في جريدة الشروق التونسية قلت له ان هناك من يقول ان عباس جاسوس فرد على الفور قائلا ً "بالفعل هو جاسوس" ويشتهر ابو اللطف باستخدام كلمة "بالفعل" تأكيدا على ما يقول.
لقد كان للقدومي أسبقية على عباس في الانضمام إلى مجموعة المؤسسين وفي العضوية القيادية لحركة فتح فقد كان اميناً لسر اللجنة المركزية عندما كان عرفات فقط عضوا في اللجنة المركزية ولم يكن يومها عباس عضوا في اللجنة المركزية. ومن موقعه وبدفع من عرفات قدم ابو اللطف في اجتماع كوادر فتح في شهر تموز 1967 في دمشق اقتراحاً بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لكنه ووجه بمعارضة اشدت فيما بعد عندما طرح ذات الاقتراح في مؤتمر فتح الثاني في الزبداني في حزيران 1968 .
ضعف وضع ابو اللطف بعد اعتقاله مع ابو اياد وابراهيم بكر في عمان اثناء مجزرة ايلول 1970 ووجه الاثنان بحملة ضدهما في المؤتمر الثالث في اواخر سبتمبر 1971 واغتنمها عرفات فرصة لتثبيت موقعه وإرغام المؤتمر على اعادة انتخاب اللجنة المركزية السابقة بالتزكية بمن فيهم ابو اللطف وابو اياد وتعيين عباس الذي سقط في الانتخابات عضوا في اللجنة المركزية.
ابو اللطف كان عملة نادرة داخل فتح التي حرفها ياسر عرفات وأجهز على وطنيتها محمود عباس.
الرحمة والسلام لروح أبو اللطف … بقي وفياً لمبدأ تحرير فلسطين ومواصلة الكفاح المسلح رغم انشغاله بالعمل الدبلوماسي منذ انتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الخامسة وتعيينه رئيسا ً لدائرتها السياسية خلفاً لخالد الحسن في الدورة السادسة للمجلس مما أبعده قليلاً عن العمل التنظيمي داخل فتح.
لقد رحل القدومي وهو الأخير في جيل المؤسسين لحركة فتح ليبقى من هم غير مؤتمنين على تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة ممثلين في محمود عباس وعصابة من تبقى من فتح وسلطتهم العميلة