فيلم "حياة الماعز" أصاب ابن سلمان في مقتل وجعله يعيش كابوساً ثقيلاً وهمّاً متواصلاً، وسقطت عليه أزمة هذا الفيلم في وقت واحد مع فيلم البي بي سي وفيلم الشركة الفرنسية فرفعت من علامات التوتر والاضطراب التي تضاعفت عنده في السنة الأخيرة. وكان زواره من السياسيين الأمريكان قد ذكروا أن الحركات غير الإرادية التي ابتلي بها ارتفعت نسبة حدوثها من مرة كل ٢٠ ثانية إلى مرة كل ٣ ثوان. أما الآن بعد الفيلم وخوفه مما سيأتي بعده فقد وصلت مستوى محرجا جدا وتكاد لا تمر ثانية إلا وتظهر عليه الحركات. والمفارقة أن قلق ابن سلمان ليس الإحراج في تشويه سمعة المملكة حكومة وشعباً في ذلك الفيلم، بل هي لسببين أخطر من ذلك: الأول، قناعته أن الإمارات خلف الفيلم وأنها تنوي تدميره بأفلام أخرى قادمة، وأن لديها القدرة الفنية والعلاقات العامة والتمكن العالمي الذي يسحق سمعته. وقد تحدث الذباب الإماراتي بما يفهم منه الاعتراف بدور إماراتي في الفيلم بل وهددوا بأفلام أخرى تعرض قريبا جدا، ومنها فيلم عن قتل خاشقجي والآخر عن محمد علي باشا وسيطرته على نجد والحجاز… الثاني، إدراكه أن الإمارات تشن حملة لسحب البساط من تحت قدميه في استعداده لمعرض أكسبو ٢٠٣٠ وكأس العالم ٢٠٣٤، وكيف له أن يتحمل الإحراج فيهما بعد أن بذل لهما كل وسعه واعتبر النجاح في ترشيح المملكة لهما جائزة العمر كله…. وابن سلمان يدرك أن ابن زايد يتفوق عليه بعدة أمور منها:
١) أنه أكثر منه خبرة ودهاء وقدرة على الكيد والتحايل، وقد عرف ابن سلمان ذلك من ابن زايد حين كان على وفاق معه ضد قطر حيث كان هو الذي يلقنه خطوات التعامل مع قطر بالتفصيل، وابن سلمان وقتها كان التلميذ.
٢) أنه أوسع منه علاقات مع السياسيين والإعلاميين والمؤثرين في العالم سواء في أمريكا وأوربا أو في الصين وروسيا، وقبل ذلك في إسرائيل.
٣) أن لديه مستشارين أفضل وأذكى وأكثر إخلاصا من مستشاري ابن سلمان، بعضهم رسمي ومعلن وبعضهم غير رسمي وغير معلن، وقد تعرّف عليهم ابن سلمان سابقا وعرف قدراتهم.
٤) أن ابن زايد يتحكم بكثير ممن حول ابن سلمان، وربما يكون ولاؤهم لابن زايد أكثر من ولائهم لابن سلمان، وإن لم يكونوا موالين لابن زايد فهم تحت سطوة الابتزاز الإماراتي المعروف… ابن سلمان لديه قناعة مثلاً أن تركي الدخيل ومنصور النقيدان ومشاري الذايدي وجميع الإعلاميين والفنانين السعوديين المقيمين في دبي أو المترددين عليها واقعون تحت السيطرة الإماراتية. وهذا بالطبع يشمل الإعلاميات والفنانات السعوديات. وبدأ ابن سلمان يشكّ بولاء عبد الرحمن الراشد الذي يعتبره مستشاره الإعلامي.
والحقيقة أنه تأخر في الشك بالراشد فقد كان ينبغي أن يصنّفه من أتباع ابن زايد قبل كل القائمة السابقة لأنه من أكثر الإعلاميين السعوديين التصاقا بالمنهج الإماراتي. وإضافة للإعلاميين والفنانين، فقد بدأ ابن سلمان يشك بكثير من كبار موظفي الديوان والدائرة الخاصة جدا، بل بدأ يخشى على نفسه هو من ابتزاز ابن زايد الذي يملك عليه عشرات الملفات المحرجة. ومما يزيد شعور ابن سلمان بالوُقوع في الأفخَاخ التي نصبها بن زايد هو إدراكه المتأخر أن ابن زايد ورّطه وقلب عليه الأوضاع في أماكن كثيرة مثل اليمن والسودان وتركيا والأردن وفلسطين وقطر، والآن مصر.
والمُحيطون بابن سلمان يتحدثون عن مدى الحقد بين الرجلين بعد أن كانا في "سرير واحد". وابن سلمان يرغي ويرعد ويزبد في المجالس الخاصة مهددا ومتوعدا ابن زايد وهو لا يعلم أن كلامه هذا يصل ابن زايد بسهولة لكثرة الموالين لابن زايد حوله. والحقيقة أن ابن سلمان رغم هذا الوعيد والتهديد خائف جدا من ابن زايد ويعلم أنه يستطيع أن يؤذيه بأكثر من فيلم الماعز، ولذلك يُبقي التهديد والوعيد في المجالس الخاصة ولا يَستعديه مباشرة. ومن الأدلة على خوفه منه والرغبة في استرضائِه أنه وجّه له دعوة بعد الفيلم مباشرة لحضور المنتدى الاقتصادي في السعودية. كما إن ابن سلمان يخشى إن تجرأ على الكيد لابن زايد أو تآمر عليه فإن ابن زايد سوف يزيد الجرعة ويدمّره في وقت قصير.
ولهذا السبب منع ابن سلمان الذباب السعودي من الرد على الذباب الإماراتي وأمرهم بالتلطف والمداراة والامتصاص. ومن بين التغريدات الطريفة للذباب الإماراتي التي تجاهلها الذباب السعودي"لولا أبو خالد لكان ابن نايف هو الذي يحكمكم الآن". وأبو خالد هنا هو ابن زايد الذي كان له فعلا دور مهم في إزاحة ابن نايف وتنصيب ابن سلمان.
ومن الأدلة على فشل ابن سلمان مقابل خباثة ودهاء ابن زايد الطريقة البائسة التي أديرت فيها عملية الرد على فيلم حياة الماعز، والتي قادها سعود القحطاني:
أولا ، ظن سعود القحطاني أنه يستطيع إيقاف عرض الفيلم في العالم سواء في السينما أو نيتفلكس وغيرها من المواقع. وفيما هو يحاول إيقاف الفيلم في نتفلكس أنزلته مترجما للعربية مما وسع انتشاره بشكل كبير. ثم عرضته كثير من المنصات حتى فوكس للأفلام التي يفترض أنها متعاطفة مع ابن سلمان…
ثانيا، وجه سعود القحطاني وسائل الإعلام السعودية والذباب بإظهار مقاطع تدل على حسن معاملة الوافدين، وتم إخراج هذه المقاطع بطريقة ساذجة وبدائية تثير السخرية حتى تحولت إلى مادة للتندر في وسائل التواصل وأعطت نتيجة معاكسة لأنها عرضت بطريقة تثبت أنها مفتعلة…
ثالثا، نصح سعود القحطاني ابن سلمان بتغيير القوانين والأنظمة المرتبطة بالعمّال وتكليف وسائل الإعلام بنشر هذه التعديلات، وهذا كذلك أدى لنتيجة معاكسة حيث كان بمثابة دليل على أن الأنظمة كانت قبل التعديل ظالمة للوافدين.
وعودة على موضوع اكسبوا ٢٠٣٠ وكأس العالم ٢٠٣٤، فإن ابن سلمان على اطلاع بنجاح ابن زايد في الحملة التي شنها الإعلام الغربي ضد قطر، وقت استعدادها لكأس العالم، حيث نُشرت سلسلة من المقالات وبُثّ عدد من البرامج التلفزيونية عن أوضاع العمال في قطر، وهو يعلم أنه أكثر انكشافا من قطر في ذلك، وإن كانت قطر قد تعاملت مع هذه الحملة بنجاح فإنه لن يستطيع التعامل معها. ويعتقد ابن سلمان أن ابن زايد لن يقتصر على برامج وأفلام عن أوضاع العمال والوافدين بل سيفضح ابن سلمان ودولته في قضايا كثيرة أشد من قضية العمال. وربما تصل حملة ابن زايد إلى حد التشكيك في قدرة ابن سلمان على الاستعداد للاكسبو وكأس العالم والتأثير على الجهات المعنية عالميا لسحبها منه، بل إقناع العالم الغربي بأن ابن سلمان خطر على مصالحهم بسبب سايكوباثيته، وليس له مستقبل في الحكم وعليهم أن يراهنوا على غيره.